ظلُّ الضوء

ظلُّ الضوء

  • الأربعاء 22 أكتوبر 2025
  • 09:15 PM

 


الملتقى / رياض العوّام

 

كان حسان يعيش في بيتٍ صغيرٍ عند أطراف المدينة،
يستيقظ كلَّ صباحٍ قبل أن ينهض الضوء من فراشه،
يفتح نافذته نحو الشرق، وينتظر أول خيطٍ من الشمس،
يقول في نفسه:

“ما دام في الكون فجرٌ جديد، فالحياة تستحق أن تُعاش.”

لم يكن غنيًّا، ولا ذا مكانة،
لكنّه كان يملك قلبًا يُضيء أكثر من مصباح.
يعمل في إصلاح المصابيح القديمة،
وكلّ من يعرفه يقول:

“الغريب أنّ يده تُصلح النور… وقلبه لا ينطفئ.”

ذات مساءٍ، جاءه صبيٌّ يحمل مصباحًا مكسورًا،
قال بخجل:

“أبي توفّي، وهذا المصباح هو آخر ما تبقّى لنا منه… هل يمكنك أن تُصلحه؟”

أخذ حسان المصباح بين يديه كما لو كان يحمل قلبًا بشريًا،
رمّمه بهدوء، ونظّفه، ووضع له فتيلةً جديدة،
ثم أضاءه أمام الصبيّ، وقال مبتسمًا:

“ها هو النور يعود… تمامًا كما تعود الذكرى الجميلة حين نُحسن حفظها.”

غادر الصبيّ فرحًا، وبقي حسان يتأمل الضوء،
يتذكّر عمره الذي قضاه في ترميم ما ينكسر — في الناس كما في الأشياء.

وفي تلك الليلة، وهو يجلس في ركنه الصغير،
نظر إلى المصابيح المضيئة حوله، وقال في نفسه:

“ربما لا أملك أن أُبدّل ظلمة العالم،
لكن يكفيني أن أترك خلفي ضوءًا صغيرًا لا ينطفئ.”

رحل حسان بعد أعوامٍ،
لكنّ أهل الحيّ ظلّوا يذكرونه كلما أضاء مصباحٌ في ليلهم.
لقد رحل الجسد… وبقي ظلّ الضوء.

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي