جليس المريض 

جليس المريض 

  • الإثنين 18 أغسطس 2025
  • 10:21 AM


الملتقى /  منى اللهو 

قبل خمس سنوات كنت قد أدرجت اسمي في دوره تدريبيه في احد المبرات الخيريه كانت تقدم دورات للتنميه البشريه ودورات للتوعيه الصحيه ،، 

أردت في الحقيقه اجتياز هذه الدوره لاكتساب خبره اضافه إلى خبرتي في مجالسه مرضاي وكانوا في ذلك الوقت اولادي هم مرضاي ،، لكن كانت هذه اول تجاربي لمجالسه مريض مسن ،، 

ذهبت صباحا إلى المستشفى المقرر لي ان أنجز  دورتي فيها وكان من أحد  شروط الاجتياز قضاء يوم كامل مع مريض مسن ،، كان مطلوبا مني ان أعرف  كيف أتعامل مع المسن وكيف انتقي كلامي ومواضيعي معه وان أتمتع بالمهارة كي اخفف عنه مايجد من ألم وتعب . 

دخلت الغرفه ووجدت سيده مسنه قد خط الشيب في مقدمه راسها قصص وحكايا وفصول من حياتها ومعاناتها ، ابتسمت لي وبادلتها الابتسامه وعرفتها على نفسي وقلت لها إنني سأقضي اليوم معها وارجو ان لا اكون ضيفا ثقيلا ،، 
عرفتني على إسمها  الاول ( لطيفه ) وكنت قد لمحت اسمها معلق على الجدار بجانب باب غرفتها 

كانت لطيفه خلقا واخلاق جلست أتمعن في ملامحها واتخيلها كم كانت جميله في شبابها واتأمل التجاعيد على ظهر كفيها فبادرتني قائله : 
بنيتي ،، هل رزقك الله بأبناء ؟ 
قلت نعم رزقني الله بأربع ابناء ثلاث أولاد  وبنت واحده 
وكان الله قد اختار منهم اثنين ورحلوا لي جوار ربهم وبعدالته سبحانه أبقى  لي إثنين  منهم،  هم الان كل أملي في الحياه ، أعيش معهم ومن أجلهم اسعي لراحتهم وسعادتهم ،، ابتسمت لي وقالت ؛ وانت؟ 
هل تسعين لراحتك وسعادتك ؟ 

لم اجب ؟ 
قالت ،،، بنيتي لقد عشت كل حياتي أعمل  من اجل أبنائي أفنيت صحتي ومالي ووقتي لإسعادهم لم اكن أنتظر المقابل من أحد منهم أبداً  لكن كنت أعول على حسن تربيتي لهم وان الله لن يضيع أجري أبدا 

وها أنا الان هنا ،، في المستشفى يأتون لزيارتي نصف ساعه او ساعه إذا اسعفهم الوقت ،، يسعدني وجودهم واسأل عن اولادهم وأحوالهم ليطمئن قلبي عليهم لكني ارى في عينيهم الملل من تكرار أسئلتي 

يجدون العبئ ثقيل في اقتصاص الوقت لزيارتي وقضاء هذه الساعه معي ،، 
كيف ذلك ؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ 

سؤالها كان كالغصه في عينيها قبل حلقها ،، 
 فرددت بعدها ،،، نعم هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ 
أمسكت يدها وابتسمت 
قلت ،، أنا هنا اليوم معك ؟ دعينا نتحدث عن الأشياء الجميله التي تحبينها ،، ذكرياتك التي كنتي فيها بأسعد اوقاتك 
أحلام طفولتك ،، إنجازاتك ،، هيا ،، كلي اذان صاغيه 

 وضعت يدي على خدي ونظري متعلق في وجهها اللطيف كإسمها وبدت تتحدث بهدوء وتروي لي ذكرياتها أيام طفولتها كيف كانت سعيده كلمتني عن دفاترها وألوانها ورسوماتها وعن صديقات دراستها 
وعن أحلامها التي كانت لاتفارق مخيلتها في فتره مراهقتها ،، كلمتني عن ارتباطها بجدتها وخالاتها 
روت لي مغامرات المراهقه والشاب وكيف تزوجت وعاشت أجمل سنين العمر مع زوجها الحبيب ،، عن سعادتها في لحظه ميلاد اول أطفالها ،، وعن تراقص قلبها لحظه تخرج اولادها وعن إحساسها بالفخر يوم زواجهم ،، حدثتني عن أحساسها بجميل إنجازها حين وجدت نفسها قد أوصلت اولادها لبر الامان ،، 

هي تتحدث وأنا اسأل نفسي وانا انظر لوجهها 
فعلا هل جزاء الإحسان إلا الإحسان 

جئت لأجالس هذه السيده لأخفف عنها ألمها واهون عليها الوقت وجدتني وقد قدمت هي لي أجمل مجالسه في حياتي ،، قدمت لي دروس مجانيه ،، عن القادم من أيامي ،، وعرفت ان الإحسان يبدأ بالنفس أولا ،، 

احسنوا لأنفسكم وقدموا لها الدعم ولاتنتظروا الإحسان من أحد ربما القادم من الايام لا يرقى لسقف توقعاتنا ،، 
أيها الأبناء ،، يامن تتثاقلون اليوم ان تكونوا جلساء امهاتهم وآباؤكم ،،، انتظروا هذا اليوم الذي ستكونون فيه في نفس هذا السرير ،، منتظرين زياره عابره 
من جليس مسن ،،،

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي