"لا أحد يسد فراغه"

  • الإثنين 23 يونيو 2025
  • 07:34 PM

الملتقى / شيخة سالم

 

عندما نفقد عزيزًا، يتغير شكل الحياة من حولنا، تتغير نبرة الأصوات، تتبدل ملامح الأيام، وتبهت الألوان في أعيننا. نُجرِّب العيش من بعده، نُجامل العالم ونبتسم للناس، لكن في أعماقنا نعرف الحقيقة جيدًا: لا أحد يمكنه أن يسد فراغه.

نحاول أن نرتّب أيامنا، أن نُقنع أنفسنا بأن الوقت كفيل بالشفاء، لكن الوقت لا يعالج كل شيء. ثمة فراغ لا يملؤه الزمن، بل يتمدد فيه الغياب كل يوم كظلٍّ لا شمس له. الحضور والغياب يصبحان سواء، لا لأن الناس قد تغيّروا، بل لأن القلب لم يعد يتفاعل معهم كما كان، لم يعد ينتظر منهم ما كان ينتظره من ذاك الراحل، ذاك الذي اختصر لنا معنى الطمأنينة، وعرّفنا على شكل خاص من الحب، لا يُستنسخ.

في غيابه، نكتشف أن العلاقات ليست متكررة، وأن البشر ليسوا نُسخًا قابلة للتعويض. بعض الأشخاص يأتون مرة واحدة فقط، تمامًا كما تُشرق الشمس كل يوم، لكنها لا تشرق من المكان ذاته الذي أشرق منه ذاك العزيز. يبقى مكانه خاليًا، لا لأنه غادر فحسب، بل لأنه كان هو المكان ذاته، والظل، والدفء.

نحن لا ننسى، بل نتعلم كيف نحمل الذكرى دون أن ننكسر. نتعلم أن نمشي في الطرقات التي مشيناها معًا، دون أن نبحث عن صوته بين المارة. نحاول أن نُحبّ الآخرين، لا لننساه، بل لنُثبت لأنفسنا أن الحبّ الذي منحنا إياه لا يزال قادرًا على إنبات بذور جديدة، دون أن يُقلّل من عظمته في القلب.

المؤلم ليس الغياب فحسب، بل ذلك الإدراك العميق بأن لا أحد يُشبهه. لا في صوته، لا في حضوره، لا في طريقة نُطقه لأسمائنا. هو اختفى، لكن أثره بقي مطبوعًا في تفاصيلنا.

فراغه لا يُملأ. وما نعيشه بعده، ليس إلا محاولات للتأقلم مع النقص، لا لسدّه.

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي