عالم جديد .. ينتظر الحكومات بعد كورونا

عالم جديد .. ينتظر الحكومات بعد كورونا

  • الخميس 28 مايو 2024
  • 08:55 AM

جمال بنون

حكومات العالم كلها منشغلة هذا العام في تصور مستقبل عملها بعد مضي عام على جائحة كورونا، بالتأكيد عالم بعد كورونا سيكون مختلفا ومتغيرا، يحمل تغييرات هائلة وجذرية وزادت من اعتمادنا على التعاملات الافتراضية بشكل ملحوظ إلى تحول الاقتصاد الرقمي إلى محرك أساسي للنمو والابتكارات الخلاقة.

هذا العام ستركز الحكومات على 21 أولوية ضمن 5 محاور وهي إعادة تصور مستقبل العمل الحكومي، والتنافسية في اقتصاد المستقبل، ومواكبة التحولات التكنولوجية العالمية، وتعزيز التكامل المجتمعي، والاستعداد لتحديات المستقبل.

خلال القمة العالمية للحكومات التي تستضيفها سنويا أمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، كان هذا هو الموضوع الأهم التي استقطبت جلساتها أكثر من 10 الأف مشارك من 156 دولة، ماهي المحاور الخمسة التي أشغلت الحكومات كان أولها إعادة تصور مستقبل العمل الحكومي، وتشمل 3 أولويات وهي:

إعادة الهيكلة المالية للحكومات لضمان خدمات مستدامة، وتصميم مدن مستقبلية تعزز التماسك الاجتماعي ورفاهية السكان، وتنمية القدرات الوطنية وتصميم وتقييم عمل الجهات الحكومية لتلبية متطلبات المستقبل. أما في المحور الثاني كان التنافسية في اقتصاد المستقبل هو من الموضوعات التي أشغلت الحكومات في القمة العالمية واشتملت على 4 أولويات، منها:

الاستعداد للتغيرات التشريعية الجذرية عبر تعزيز الجاهزية لمواجهة التحديات، وبناء آليات تحقيق التوازن بين الاكتفاء الذاتي والتنافسية الاقتصادية، وتطوير استراتيجيات وطنية شاملة تستثمر في بناء مهارات الأفراد ودعم الابتكار، وإعادة ابتكار هيكلة القوى العاملة في ظل تطور مفاهيم العمل عن بعد.

وجاء المحور الثالث في مواكبة التحولات التكنولوجية العالمية ودعمت مواكبة التنافسية العالمية من خلال بناء الشراكات مع الاقتصادات الكبرى، وتبني آليات جديدة لزيادة المشاركة في سوق التكنولوجيا العالمي، بناء تحالفات دولية لتشارك البيانات وتعزيز التعاون لتشكيل فرص التبادل الرقمي، وتعزيز الجاهزية لمتطلبات عالم تعددي جديد.

وركز المحور الرابع وهو تعزيز التكامل المجتمعي على خمس أولويات شملت تفعيل مبادرات عالمية لمواجهة التحديات ودعم الأنظمة الصحية في مواجهة الأمراض، ومعالجة آثار الجائحة في مجال الصحة النفسية للحفاظ على النسيج الاجتماعي، ودعم الجهود العالمية لتنمية العقول والمواهب الشابة، وتعزيز دور وشراكة المرأة في التنمية لبناء مستقبل أفضل للدول والمجتمعات، وحماية المجتمعات من المعلومات المزيفة وسوء استخدام التواصل الاجتماعي.

وفي محوره الأخير اهتمت القمة العالمية للحكومات في الاستعداد لتحديات المستقبل وأشار الى أهمية القضاء على بؤر تكاثر الفيروسات وضمان التوزيع العادل للقاحات، وتبني مفاهيم مبتكرة لاستشراف التحديات والاستجابة لها بسرعة وفعالية، ومكافحة الاستغلال الإجرامي للأزمات وتعزيز أمن المجتمع، وتعزيز المرونة الشاملة للاستدامة في المجتمعات، وانتهاج آليات تنفيذية لتسريع تحقيق الأهداف والعمل بشكل استباقي وتعاوني.

حكومات العالم من الضروري أن تسعى الى تحسين أوضاع مواطنيهم في خضم حالة الغموض السائدة والتغيرات المتواترة إلى إعادة ترتيب أولوياتهم لتشمل إصلاح النسيج الاجتماعي، واستكشاف التحول في النظام الجيوتكنولوجي، والمنافسة في الاقتصاد العالمي الجديد، وتأمين المستقبل على المدى البعيد. ويواجه القادة في كل مجال من المجالات المذكورة عددا من التحديات والتهديدات الملحة، إلى جانب العديد من الفرص الناشئة التي تساعد على دفع جهود التحول الذي يبدأ الآن.

القمة العالمية للحكومات أصدرت 21 أولوية ستهتم بها الحكومات في عام 2021 من أهمها معالجة آثار الجائحة على الصحة النفسية للأفراد بعدما وصل معدل زيادة أعراض الاكتئاب أثناء الجائحة 3 أضعاف، وفي شان الجهود العالمية لتنمية العقول والمواهب الشابة، خلال الجائحة تضاعفت حدة الضغوط على الأطفال تحديدا. وتشمل هذه الضغوط انخفاض دخل الأسرة، والافتقار للأمن الغذائي، وتوتر الآباء، وإساءة معاملة الأطفال، فضلاً عن انقطاع التعليم والتواصل الاجتماعي.

ويواجه الأطفال ضغوطا متزايدة بسبب افتقادهم للأنشطة التقليدية والتفاعلات التي تدعم نموهم واستقرارهم، ووفق إحصائيات رسمية لم يتمكن 463 مليون طفل على مستوى العالم من الوصول إلى منصات التعلم عن بعد. ومن الأولويات التي ركز عليها المشاركون في القمة العالمية، حماية المجتمعات من المعلومات المزيفة وسوء استخدام التواصل الاجتماعي، وتسبب هذا في تكبد الاقتصاد العالمي 78مليار دولار سنويا نتيجة الأخبار المضللة. وقد أدت المعلومات الخاطئة المتعلقة بفيروس كورونا إلى ظهور “جائحة معلوماتية” من الشائعات ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة التي أسفرت عن خسائر كبيرة في الأرواح.

ومن بين الأولويات التي طرحت أيضا تصميم مدن مستقبلية لتعزيز التماسك الاجتماعي، وحسب تقارير في الأيام الأولى للجائحة، غادر السكان الأثرياء مدنهم، فخرج ما يصل إلى40 في المائة من سكان الأحياء الثرية في مانهاتن من المدينة وغادر نحو 20 في المائة من إجمالي سكان باريس بسبب إجراءات الإغلاق في المدينة. أما بالنسبة لمن اختاروا البقاء داخل المدن، فقد كان التفاوت صارخا، إذ ارتفعت نسبة الإصابة بالفيروس في الأحياء الفقيرة ذات الدخل المنخفض والتي تعاني من المشاكل السكنية وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية الجيدة، واهتمت ضمن أولوياتها بناء تحالفات دولية لمشاركة البيانات وتعزيز التعاون لتحقيق التبادل الرقمي الواسع، وتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتوليد بيانات ضخمة متنوعة ومفيدة، وتحويلها إلى أصول اقتصادية عالية القيمة، وتسريع نمو الاقتصاد الرقمي.

قبل الجائحة كانت تكنولوجيا التعليم تمثل سوقا ضخمة بلغت استثماراتها نحو 19مليار دولار في عام 2019 وعندما تسببت جائحة كورونا في إغلاق العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية، زادت معدلات التعليم عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن يصل سوق التعليم عن بعد إلى 350مليار دولار بحلول. 2025بالإضافة إلى النمو السريع لسوق تكنولوجيا التعليم، يمكن أن يعزز تطوير المهارات والارتقاء بها الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 6.5تريليون دولار، ويوفر 5.3مليون وظيفة جديدة بحلول 2030.

سوف تتحمل الاقتصادات المتقدمة ما يقارب نصف التكاليف من اجل القضاء على بؤر تكاثر الفيروسات حول العالم، وفي السيناريو الأكثر ترجيحا، حيث تتمكن الاقتصادات النامية من تقديم اللقاح ضد الجائحة بنسبة 50 في المائة بحلول نهاية 2021سيظل نزيف الاقتصاد العالمي مستمرا، بخسارة تتراوح بين ترليون و800 مليار و3 ترليون و800 مليار دولار وستتحمل الدول الأكثر ثراء نصف هذا المبلغ.

ومن الأولويات الأخرى أيضا التي حظيت بدعم الحكومات، مكافحة الاستغلال الإجرامي للأزمات وتحقيق الأمن للمجتمعات حيث يستغل المجرمون أزمة كورونا ويستهدفون الطلب اليائس على اللقاحات والمعدات الطبية. وتقدر قيمة سوق الأدوية المزيفة بين 70إلى 200مليار دولار وتشكل الجماعات الإجرامية العابرة للحدود، وخصوصا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ودول أمريكا اللاتينية، تهديدا ً خطيرا على مركبات توزيع الدواء ومرافق التخزين. وقد ازدادت مؤخرا حالات بيع معدات الحماية الشخصية والإمدادات الطبية المزيفة واختبارات كوفيد19 الوهمية عبر الإنترنت، وحذر الإنتربول من أنشطة إجرامية محتملة تتمثل في تزوير وسرقة لقاحات فيروس كورونا والإعلان عنها بشكل غير قانوني، فضلاً عن توزيع أدوات اختبار مزيفة.

وحددت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة للإنتربول 3آلاف موقع إلكتروني للاشتباه في بيعها معدات طبية وأدوية غير مشروعة، يرسل أكثر من نصفها رسائل بريد عشوائية واحتيال وينصح بمراقبة المجموعات الصيدلانية وضبطها في حالة المخالفات، فقد غرمت السلطات في بكين مصنع “شانغشينغ للتقنية الحيوية” في مدينة تشانغ تشون الصينية مليار دولار قبل عامين لتوزيعه لقاحات مزيفة للأطفال وعلى الحكومات أن تتوخى الحذر لضبط تداول اللقاحات المزيفة التي يوزعها المجرمون.

من الواضح أن عام 2012 سوف يدخل العالم منعطفا حرجا سيرسم ملامح هذه اللحظة الفارقة في التاريخ. وفي وقت كهذا، يكون التغيير مضاعفا ً وجذريا، كما تتميز مثل هذه الفترات بعدم استقرار الأوضاع الاستراتيجية والغموض والتغيرات التي تستدعي إجراء تدخلات واتخاذ قرارات حاسمة تحدد مسار التطورات المستقبلية.

ونتيجة لذلك، توصف هذه المرحلة الحاسمة بأنها استثنائية من حيث الفرص التي تحملها للقادة والمؤسسات والمجتمعات التي يصبح فيها التحول الجذري أمرا ممكنا وملحا في الوقت نفسه. والقرارات والإجراءات التي يتم اتخاذها سوف تحدد مسار المستقبل للأفراد والمؤسسات والدول والعالم ككل.

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي