"جوهر الإنسان في أخلاقه"

  • الثلاثاء 01 يونيو 2025
  • 05:07 PM

الملتقى / شيخة سالم

في زمنٍ تزداد فيه العناية بالصورة والهيئة، وتُقاس فيه القيمة بكمّ المتابعين والنجاحات الظاهرة، ينسى كثيرون أن الإنسان لا يُعرَف بملبسه، ولا يُحترم بثروته، ولا يُخلَّد بجماله، بل بما يتركه في القلوب من أثر، وفي السلوك من صدق، وفي الحياة من طِيب خُلق.

المظهر قد يفتن الأبصار، لكنه لا يثبت أمام المواقف، أما الأخلاق فتبقى ثابتة في كل الظروف، وتظهر حين تختبرنا الحياة بما لا يُرى من النيات والضمائر. 

وإذا أردت أن تعرف قدر إنسان، فانظر إلى موقفه حين يُظلم، أو يُغضب، أو يُخيَّر بين مصلحته الشخصية وقيمه. فهناك يُكشف المعدن، ويُعرف الجَوهر.

ولذا، حين أراد الله ﷻ أن يثني على نبيّه ﷺ، لم يصف جمال وجهه، ولا فصاحة لسانه، بل قال سبحانه وتعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤]، فجعل تزكية النفس غايةً للفلاح، فقالﷻ : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس: ٩]

وفي الحديث الشريف، قال رسول الله ﷺ: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق." (صحيح، البخاري في الأدب المفرد: ٢٧٣)
وقال ﷺ: "إن أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا." (صحيح، الترمذي: ٢٠١٨)

فهذه النصوص لا تُبقي مجالًا للشك في أن الأخلاق هي جوهر الرسالة، وعماد الإيمان، وميزان التفاضل بين الناس. كما قال الشاعر:
أقبلْ على النفسِ فاستكمِلْ فضائلَها
فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ

إن حسن الخلق لا يعني تكلّف المثالية، بل أن تتحلّى بالصدق، وتحفظ اللسان، وتلين القلب، وتكظم الغيظ، وتعفو حين تقدر. 

هي صفات تنبع من الداخل، لا من المظاهر. بها يُعرف المرء عند الشدائد، ويُحترم في الغياب، ويُبجَّل في القلوب ولو قلّ ماله ومقامه.

ولله در القائل:
كن ابنَ مَن شئتَ واكتسبْ أدبًا
يُغنيكَ محمودُهُ عن النَّسَبِ

فلا حسب ولا نسب يُعلي المرء إن خلا من حسن الخلق.
بل إن أدبك يفتح لك القلوب، وإن تواضعك يرفعك، وإن صبرك على الأذى يجعلك عزيزًا عند الناس ورب الناس.

ولهذا، فإن بناء الإنسان يبدأ من الداخل. وإن التربية الحقة لا تقتصر على تلقين العلوم، بل على غرس المعاني، وتعويد الأبناء على احترام الكبير، والرحمة بالصغير، والصدق في القول، والوفاء بالعهد. فالأخلاق لا تُدرَّس بالمحاضرات فقط، بل تُلتقط من القدوات، وتُغرس في المواقف اليومية.

وكم من إنسانٍ بسط الله له في الجمال والمال، فأساء بأخلاقه، فانفض الناس من حوله. وكم من آخرٍ لا يملك إلا قلبًا نقيًا ولسانًا طيبًا، فملأ الدنيا نورًا، وترك خلفه إرثًا من الذكر الحسن. كما قال الشاعر:
قد ماتَ قومٌ وما ماتت مكارمُهم
وعاشَ قومٌ وهم في الناس أمواتُ

فليكن سعيك الدائم أن تحيا بأخلاقك، لا بأوصافك، وأن تترك في قلوب الناس طِيبَ ذكر، لا مجرد انطباع، حتى يقول من يراك: رحم الله من ربّاك.

وتذكّر: أن الإنسان لا يُقاس بطوله، ولا وزنه، بل بعمق مبادئه، ونُبلِ طباعه، وصفاءِ معدنه.

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي