"علو الهمة من الإيمان"

  • الجمعة 04 يوليو 2025
  • 04:21 PM

الملتقى / شيخة سالم

يُقال إن "علو الهمة من الإيمان"، وهذه العبارة، وإن لم تكن حديثًا نبويًا مرفوعًا، إلا أنها قول مأثور تردد في كتب التربية والرقائق، تعكس المعنى العميق لأثر الإيمان الصادق في رفع النفس إلى معالي الأمور، وتوجيه الطاقات نحو الطاعات، والاجتهاد في طلب الخير، ورفض الركون إلى الدعة والكسل. فالمؤمن الحق لا يرضى بالدون، ولا يأنس بالتوافه، بل يرى في كل لحظة من عمره فرصة للارتقاء، وفي كل يوم محطة للتزود، وفي كل عمل نية تُقرّبه من الله.

علو الهمة هو الطموح العالي والسعي نحو الأفضل، سواء في العلم أو العبادة أو العمل أو الأخلاق أو عمارة الأرض، وهو دلالة على صدق الإيمان، لأنه يعبّر عن يقين العبد بربه، وثقته في أن كل سعي في رضاه لا يضيع، وأن كل خطوة في طريق الخير لها ما بعدها. فمن علت همته، علت قيمته، وزادت بركته، وتحوّل وجوده إلى نفع مستمر لنفسه ولغيره، وجعل من حياته كلها عبادة.

وقد لمسنا ذلك في حياة بعض كبار السن، ممن لا يشكون من الفراغ، ولا يعرفون الكسل، رغم أعمارهم المتقدمة، فترى الواحد منهم يضبط نظام يومه بدقة، يفتتحه بالصلاة والأذكار، ويختمه بقراءة القرآن والدعاء، يعتني بنفسه ونظافته، ويتواصل مع من حوله بحب ولباقة، يملأ أوقاته بما ينفع، ويستثمر لحظاته في ما يُقربه من الله، وكأن حياته مشروع مستمر في الطاعة.

وقد كنت أرى ذلك متجسدًا في إحدى كبيرات السن حفظهن الله، فهي مع كبر سنها لم تكن تترك وردها اليومي من القرآن، ولا تنسى أذكارها، ولا تهمل ترتيب منزلها، أو العناية بنفسها، بل كانت ترى أن حسن الهيئة جزء من حسن العبودية، وكانت تفرح بالتواصل مع أحبابها، تُسعد غيرها بكلمة طيبة أو دعاء صادق، وتحرص على أن تملأ كل يوم بشيء مفيد، حتى أصبح وجودها مصدر بركة، وصمتها درسًا، وسلوكها وعظًا.

وكم صدق قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: "ذو الهمة وإن حط نفسه، يأبى إلا علواً، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً"نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص: ٤٥٠).

وقال ابن القيم رحمه الله واصفًا علو الهمة بدقة بالغة:
"علو الهمة أن لا تقف النفس دون الله، ولا ترضى بغيره بدلاً" (مدارج السالكين: ١/٤٥٢).

فمن تأمل في سلوك أولئك الصالحين من كبار السن، علم أن الإيمان لا يُقاس بالكلام ولا بالعمر، بل بالفعل، وأن في كل مرحلة من مراحل الحياة فسحة للتسابق إلى الله، وأن السكون الحقيقي لا يكون في السكون عن العمل، بل في الطمأنينة التي يجدها العبد وهو يواصل سيره إليه.

فعلو الهمة صفة محمودة، لا تفارق أهل الإيمان الصادق، وهو من دلائل صلاح القلب ونقاء النية، ومن أسباب بلوغ رضا الله تعالى والفوز بجنته.

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي