نوادر النوادر من الكتب في مكتبة عبدالكريم سعود البابطين

نوادر النوادر من الكتب في مكتبة عبدالكريم سعود البابطين

  • الإثنين 29 يناير 2024
  • 06:23 PM

 

 

الملتقى / عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

 

يزخر تاريخنا العربي بنفائس الكتب والمخطوطات، وهذه الذخائر المعرفية والفكرية أسست لتاريخنا المزهر ووضعتنا في الصف الأول في مصاف الأمم، فأصبحت حضارتنا يشار إليها بالبنان، وكانت مكتباتنا عبر التأريخ عامرة تزهو بما تحتويه من أمهات الكتب، إلا أن تعاقب السنين بما حملته من ظروف قاسية، على الأمتين العربية والإسلامية ، أفقدتنا الكثير من هذه الكتب، لذلك فإن الوعي يقتضي الحفاظ على ما وصلنا من ماضينا بأكف العناية وعين الرعاية، وأن لا ندخر جهدا في سبيل الإبقاء على تراثنا حيا كي يكون مرجعا يعود إليه الباحثون والدارسون وطلبة العلم وهواة المعرفة، وهذه الكنوز المعرفية معرضة للاندثار والتواري تحت تلال النسيان أو الإهمال، ولكن الله عز وجل يبعث بين الوقت والآخر من يمد يد الوعي لانتشال هذا التراث وإيقاظه ثم مده بجذوة الحياة، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه النوادر من يحنو عليها بدفء الحريص على شعلة الشمعة من الانطفاء في عتي رياح العصر، فكانت جهود السيد السري الأديب الأريب عبدالكريم سعود البابطين الذي لم يدخر وسعا ولا بذلا في جمع هذه النوادر من شتى بقاع العالم، ليضمها إلى مكتبته التي أصبحت الآن بمثابة الصدر الرؤوم لهذه الكتب وهي تسير بها في رحلة مستمرة آمنة إلى مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، الذي أنشأها وأسسها السري الأريب محب الأدب وصاحب الفضائل والعطاء الراحل عبدالعزيز بن سعود البابطين رحمه الله، حين آثرها الأستاذ عبدالكريم سعود البابطبن على نفسه فقدم لها هذه النفائس يقينا منه بأن المعرفة تذوي إذا ظلت حبيسة الأدراج، وبأن تعميم الفائدة هو الحل الأمثل لتوسيع دائرة الضوء الثقافي لينتشر على أوسع دائرة ممكنة، وهذه النوادر شكلت منعطفا حيويا في تاريخ المعرفة البشرية بشتى محتوياتها من الأدب والشعر والعروض والفقه والتفسير والأديان السماوية والطب والنبات والفلسفة وغيرها من الكتب التي تنبع عظمتها من كونها ذات مضمون عميق، وبعض هذه الكتب جاءت بطبعات أوروبية لكتب تراثية عربية وإسلامية، مع ترجمات لها باللغات اللاتينية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وكانت بما احتوته من معلومات ودراسات وتأريخ هي الأساس الذي نهلت منه الأجيال لاحقا وفوق أساساته أشادت بنيانها ورفعت طبقاتها.

هذا التحول في المفهوم المكتبي، أرادت منه مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي أن  يعطي بعدا أوسع واشمل لوظائف المكتبات، حيث أن اتساع النطاق المعرفي اليوم بتقنياته المتطورة، لابد أن تواكبه مبادرات جديدة لإيصال المادة الثقافية إلى المتلقي، وخصوصا إذا كانت هذه المادة من مكنونات التراث النفيسة والمخبأة في ذاكرة الزمن، إذ يتوجب هنا أن تصل إلى القارئ بأمانة، فما كان يعني مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي أن تحفظ هذه الكنوز المعرفية حفظا أشبه بالتحنيط، ولم يكن دورها فنيا فحسب، بل تعدى ذلك إلى بث الروح في هذه النوادر والسعي بما أوتوا من عزم لتعميم الفائدة التي فيها.

تحتوي مكتبة الأستاذ عبدالكريم سعود البابطين على الكثير من نوادر النوادر من التراث العربي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 1592 ميلادية طبع أول كتاب في العالم على ورق الكتان باللغة العربية في مطبعة MEDICEA في روما في إيطاليا بعنوان (مختصر نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) للإدريسي، ويعتبر أصح كتاب ألفه العرب في وصف بلاد أوروبا وإيطاليا، وكل من كتب عن الغرب من علماء العرب أخذ منه، ويوجد من هذا الكتاب إحدى عشرة نسخة فقط في العالم، إحداها في مكتبة الأستاذ عبدالكريم سعود البابطين، وبعد العام 1592 ميلادية، وهو العام الذي بدأت فيه الطباعة العربية للكتب، توالت طباعة الكتب العربية، أي أكثر من أربعمائة عام، والتي تضم المكتبة الكثير الكثير من نوادرها النادرة، والتي طبعت منذ ذلك العام وحتى وقتنا الحاضر، مثل تقويم البلدان الذي طبع عام 1766م، وكتاب قطف الأزهار في علم الذمة والأسرار في عام 1797م، وكتاب وصف مصر لنابليون بونابرت بطبعتيه الأولى والثانية، وكتاب مسابقة البرق والغمام في سعاة الحمام المطبوع في باريس عام 1805م، وغيرها وغيرها من آلاف الكتب النادرة.

واحتفاء بنوادر الكتب التي اقتناها الأستاذ عبدالكريم سعود البابطين في مكتبته، تلك الكتب النفيسة في مضامينها، والفريدة في ندرتها، والغنية في طرحها، وكي لا تظل هذه النوادر حبيسة الأدراج والأرفف، فقد بدأ بإصدار نبذ عنها في سلسلة أسماها "نوادر النوادر من الكتب"، والتي تحتوي تعريفات مختصرة شاملة مع صور من أصول الكتب النادرة، هذه السلسلة بحد ذاتها هي بحق تحفة أدبية رائعة، وقد وصلت هذه السلسة إلى مجلدها الرابع والعشرين المتكون من ثلاثمائة وست وخمسين صفحة والتي تحوي معلومات وصور لثمانين كتابا من النفائس والنوادر بطبعاتها الأولى ما يملأ النفس فخرا واعتزازا بتراثنا وأمتنا.

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي