الإعـــتـــذار

الإعـــتـــذار

  • الإثنين 29 سبتمبر 2024
  • 09:17 PM

 

 

الملتقى / عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون 

 

أعلام الرجال وكبار النفوس لا يترددون في الاعتذار عن أي خطأ يقع منهم، في حين يجد البعض ثقلا كبيرا في الاعتذار، وينتج ذلك عن نوعية المُعتذر إليه وما ينتج عنه من أمور، ومنها عدم قبوله للعذر، بينما البعض من المُعتذر إليهم يرى إقدام أخيه على الاعتذار منه نوع من الكرم والتفضل والتقدير.
وقد تقول أن هذا الأمر لا يستغرق من صاحبك عشر دقائق ثم ينساها صاحبك، ولكن هذه الأمور تتكاثر في النفس وتتجمع القطرات حتى تصبح سيلا، فيحدث بعدها الطوفان، الذي يهتك الأستار ويقطع العلاقات، أو تنساها أنت وينساها هو، وتفاجأ به يوم القيامة يطالب بحقه في وقت لا يصح فيه إلا الصحيح.
وهناك من تأخذه العزة في الإثم ويضع المبررات ويتعالى ويتكبر، ومتى ما حل الكبر في النفس واستولى على عقل المرء فسيقوده إلى غمط الحق، والتعالي على الخلق، والعمل على تزيين الباطل وتزييف الحقائق بكل المستطاع.
ومن الأمور التي تدعوا إلى التردد في الاعتذار؛ هل يقدّر المُعتذر إليه الاعتذار، أم يراه ذلة للمعتذر، ويزيد عليه الملام مما يزيد المعتذر إليه غطرسة، ومن الناس من يرى الحق بعد أن يقام الدليل عليه، ولكنه لا يسلّم بذلك، بل يتابع جدله بالباطل تغطية لموقفه، ويأخذ بالاستكبار عن قبول الحق من غيره، ولئلا يضع نفسه، كما يظن، في موقف سيء فيقال: إنه كان مخطئا ثم اعترف بخطئه، فيخدش عند الناس كبرياؤه، كما أن عندنا كبر لا نعتذر معه، ولم نروض أنفسنا على الذلة للمؤمنين بحيث إذا أخطأنا نعتذر، وقد لا يرى المخطئ فيما عمله ما يلزم ذلك، فيتعالى عن تقديم الاعتذار، وأنه لا يحتاج إلى ذلك، وعلى الآخرين أن ينسوا خطأه ويعاملوه وكأنه لم يكن، وهناك من يرى أن الأخطاء كثيرة وهي ملازمة للبشر فهل نقضي كل أوقاتنا في الاعتذار.
وعدم الاعتذار في حقيقة الأمر قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بينك وبين صاحبك، وقد يُفقدك عدم اعتذارك شخصا فيه مزايا كثيرة لك فيها فائدة، وفقدك له يفقدك ما كنت تناله عن طريقه من مكاسب أخلاقية ومساعدة في الخير وغير ذلك، ناهيك عن كثرة الأحاديث الجانبية من كلا الطرفين واكتساب السيئات، والدعاء على صاحب الذنب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)،
وعدم الاعتراف بالخطأ من التكبر والتعالي، فعلى من تتكبر...؟ على إخوان لك أنت سابق لهم بالخطيئة، ونزلت عنهم بالإساءة…؟ وما هي الحصيلة الكبيرة والغنيمة الوفيرة التي جنيتها...؟ لقد بؤت بالإثم، ورجعت بالغرم، وعرّضت نفسك لميزان الاقتصاص، ومع إساءتك إليهم حين أخطأت عليهم تكرر خطؤك بعدم الاعتذار، فانقلب الأمر إحسانا وفيرا لغريمك حين تختلف الموازين عندما تتغير الدار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه) حديث صحيح. 
فالأمر هو ابتلاء قد وقعت فيه حين أخطأت مع الآخرين ووقعت في ابتلاء آخر في تصحيح ما حدث فتدارك أمرك وأصلح شأنك.
واعتذارك إلى أخيك يُذهب عن نفسه الهموم ويُعيد الصفاء بعد الجفاء، ويُطمئن القلب ويُزيل أحزانه وينفي عنه الحقد وسوء الظن.
والعمر قصير ولحظات الصفاء قليلة فإذا حدث شدّ فسيحتاج الأمر إلى زمن حتى تعود الأمور إلى مجاريها، ولن تعود كما كانت إذا كانت النفوس مدبرة، فلماذا نطيل زمن الجفاء في زمن قصير تنقضي فيه أعمارنا، فكلما طال الجفاء اتسعت الفجوة، ومن الصعب بعد ذلك تضييقها.

 

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي