مدح وعطاء أبي دلف وحسرته

مدح وعطاء أبي دلف وحسرته

  • الإثنين 29 أغسطس 2024
  • 10:09 AM

 

 

بقلم / عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون 

 

قال علي بن جبلة: زرت أبا دلف بالجبل، وهي مدن بين أذربيجان والعراق، فكان يظهر من إكرامي وبري والتحفي بي أمراً مفرطاً، حتى تأخرت عنه حيناً حياء؛ فبعث إلي معقل ابن عيسى، فقال: يقول لك الأمير: قد انقطعت عني، وأحسبك استقللت برّي بك، فلا يغضبنك ذلك فسأزيد فيه حتى ترضى. 
فقلت: والله ما قطعني إلا إفراطه في البر، وكتبت إليه: 
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة
.      وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائراً
.       فأفرطت في برّي عجزت عن الشكر
فملآن لاآتيك إلا مسلماً    
.       أزورك في الشهرين يوماً أو الشهر
فإن زدتني برا تزايدت جفوة
.       ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر
فلما قرأها معقل استحسنها، وقال: أحسنت والله! أما إن الأمير لتعجبه هذه المعاني. 
فلما أوصلها إلى أبي دلف قال: قاتله الله! ما أشعره وأدق معانيه! وأعجبته وأجابني لوقته، وكان حسن البديهة حاضر الجواب: 
ألا رب ضيف طارق قد بسطته
.          وآنسته قبل الضيافة بالبشر
أتاني يرجّيني فما حال دونه    ودون
.          القرى والعرف من نائلي ستري
وجدت له فضلا علي بقصده    إليّ
.          وبرّا زاد فيه على برّي
فزودته مالا يقل بقاؤه
.          وزودني مدحاً يدوم على الدهر
وبعث إليّ بالأبيات مع وصيف له، وبعث إليّ بألف دينار؛ فقلت حينئذ: 
إنما الدنيا أبو دلف
.          بين مبداه ومحتضره
وقيل إن أبا دلف سار يوماً مع أخيه معقل فرأيا امرأتين تتماشيان فقالت إحداهما للأخرى: هذا أبو دلف...؟ قالت: نعم، الذي يقول فيه الشاعر: 
إنما الدنيا أبو دلف
.          بين بادية ومحتضرة
فإذا ولى أبو دلف
.          ولت الدنيا على أثره
فبكى أبو دلف حتى جرت دموعه فقال له معقل: ما لك يا أخي تبكي...؟ 
فقال: لأني لم أقض حق الذي قال هذا.
قال: أو لم تعطه مائة ألف درهم...؟ 
قال: والله ما في نفسي حسرة إلا لكوني لم أعطه مائة ألف دينار.

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي