الملتقى / شيخه الدريبي
السعوديه الشرقيه
كم هو جميل أن يرحل الإنسان في أعماق ذاته، ودواخل نفسه ليستخرج مكنونات قيمة من أعماقه تنير له الطريق، وتضيء للآخرين من حوله مسالك دروب الحياة كماإن التفكير بعمق من السمات الإيجابية للإنسان عمومًا، وللمسلم خصوصًا؛ فهو مطالب بأن يجول بفكره في ملكوت الله عز وجل، ومخلوقاته؛ بل وفي نفسه وذاته؛ ليستدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى؛ فينقاد راغبًا محبّا ذليلًا لخالقه وموجده فالتفكّر وبرَوِيةٍ في أعماق الذات يستمطر كنوزًا قيمة من مكنوناته التي لا تستخرج إلا بعمق من التفكير الإيجابي عند ذلك يصبح مخيرًا بين ثلاثة أمور: إمَّا أن يخجل من نفسه ويكفينا شرّه، وإمَّا أن يبادلنا نفس المشاعر الإيجابية، وإمَّا أن يتحوَّل إلى صديق حميم، وما يُلَقى ذلك الرقي في النفس والقول والفعل إلَّا ذو حظٍّ عظيمٍ، جعلنا الله وإياكم منهم فالذي يُحدِّد بالضبط للشخص فعل هذا أو ترك ذاك هو صِدْق اعتقاده وانتمائه لما يؤمن به داخل سويداء قلبه، من تصوُّرات وأفكار، ومبادئ وقيم فبوجود التوافق الداخلي والخارجي، ستشعر بالاستقرار النفسي والقلبي الذي لن يستطيع أن يمنحه له أحدٌ سوا الله سبحانه و تعالى كما ان التوافُق الظاهر مع الباطن وتطابقهما من أسمى المطالب الشرعية، ومطلبًا جوهريًّا للشخصية المسلمة، ينبغي أن تسعى لها جاهدة والتتحلى بهافهناك شيئان يحددان من أنت : صبرك عندما لا تملك شيئا وأخلاقك عندما تملك كل شيئ ..
نصرخ الصرخة الأولى عند دخولنا إلى عالم الدنيا؛ وكأننا نعرف عظم المسؤولية التي نحنُ مقبلون عليها، نَجِد أنفسنا في هذا الكون الفسيح، وأمامنا الخير، والشر، والجمال، والقبح، وكل المتضادات لا نعرف إلى أين نتجه، نمدُ يدينا لالتقاط كل ما نظن أنَّه يُسعدنا، تخوننا المعرفة تارةً، وتلهمنا الفطرة تارةً أخرى نتحرك، نحبو نُحاول أن نسبق الزمن لنكتشف ماذا يُخبئ هذا العالم من جمال وسعادة ننمو شيئًا فشيئًا، وندخل مرحلة تلو الأخرى، ومازلنا في دائرة الفطرة، ونستمدُ أفعالنا من جمالها كل شيء في نَظَرناجميلاً هل كل الأشياء جميلة حقاً وتستمر الرحلة تأخذنا الحياة إلى متغيراتٍ جديدة تتمادى النفس في أهوائها وتظهِر في سبيل ذلك ما في باطنها من كراهية، وأطماع، وأحقاد ونبدأ في محاولة معرفة أنفسنا نغوص فيها نَجِد بحرًا عميقاً، وعالمًا خفيا فيه المشاعر الكامنة، والنزعات الجامحة التي نراها تقود أجسادَنا إلى حيث تشاء، نزداد عُمْقا في هذا العالم نرى النفس الأمّارة بالسوء، وكيف تقودنا لأهوائها لكن من رحمة الله فينا فهي ليست الصورة الوحيدة للنفس فهناك أيضاً النفس اللوامةالتي عرفناها من خلال الضمير الحي الذي يحاسبناباستمرار..
كذلك هناك أيضاً النفس المطمئنةالتي هي نتيجة لعمل النفس اللوّامة وهي ضد النفس الأمّارة بالسوء، وتحوي السلام، والحب، والتسامح، وهذا بسبب الفطرة التي هي أصل الإنسان أماالنفس الأمّارة بالسوء مهمة تقوم بها النفس اللوّامة وتعتمد على تغذية العقل اللاواعي (الباطن) بالقيم الدينية، والإنسانية وهذا العقل هو مستودع الأفكار، والمشاعر التي مرت على الإنسان من بداياته. وحين نرسو على شاطئ أنفسنا بعد هذه الرحلة نَجِد أننا خرجنا بنتيجة واحدة، أن ما يواجهنا من تغيرات يقودها هوى النفس، ونزغات الشيطان، ما هو إلا امتحان العدل، والإنصاف ليظفر كل بالحياة التي يستحقها، والطريق مفتوح لتجاوز هذا الامتحان، والفوز بالنفس المطمئنة، ورضا خالقنا مادمنا في هذه الدنيا وهذا لن يتحقق لنا إلا بسلاح العمل الذي ينطلق من الإيمان، والعلم حتى يصل بِنَا إلى أعلى درجات النفس الإنسانية..