الصداقة بين الأمل والخذلان: عندما تختبر الحياة قلوبنا

الصداقة بين الأمل والخذلان: عندما تختبر الحياة قلوبنا

  • الأربعاء 18 يونيو 2025
  • 04:18 PM

الملتقى / شيخة سالم

 

في عمق العلاقات الإنسانية، تقف الصداقة كإحدى أعظم الروابط وأشدّها تأثيرًا في مسيرة الإنسان. فمنذ أن تبدأ رحلة الحياة، يبحث كل إنسان عن ذاك الرفيق الذي يشاركه مشاعره، يسير إلى جانبه في دروب الفرح والحزن، ويظل حاضرًا في المحطات الفاصلة من العمر. الصديق ليس مجرد شخص يتبادل معك الأحاديث اليومية، بل هو ذلك الذي تمنحه شيئًا من قلبك، وتشعر بوجوده وكأنك تمتلك ظهرًا يسندك في مواجهة تقلبات الأيام.

ولأن الصداقة تنشأ من أعماق القلب، فإنها بطبيعتها تقوم على عنصرين جوهريين: الثقة والعطاء. يثق الإنسان بصديقه، يبوح له بما لا يبوح به لغيره، ويسانده إذا احتاج، ويسعى جاهدًا لأن يخفف عنه أعباء الحياة كلما أثقلته. في لحظات كثيرة، تكون الصداقة مصدر قوة واطمئنان، يتكئ عليها القلب حين يضيق صدره، وتستند عليها الروح حين تتعب من صراعات الحياة.

لكن كما أن الصداقة قادرة على أن تهب الإنسان سعادة عظيمة، فإنها قادرة أيضًا ـ حين تُخذل ـ أن تترك جراحًا غائرة في القلب. فحين يكتشف الإنسان أن من منحه ثقته واستودعه بعضًا من ذاته قد استغل تلك المساحة، يتحول الأمان إلى ألم، ويتبدل الاطمئنان إلى دهشة موجعة. بعض الأصدقاء قد يخذل عندما تضعف المصلحة أو تنقطع الحاجة، وقد يقابل العطاء بالجحود، والثقة بالإهمال، والوفاء بالغياب دون مبرر أو تفسير.

هذا النوع من الخذلان لا يجرح العلاقة وحدها، بل يترك في النفس أثرًا عميقًا، يجعل الإنسان في أحيان كثيرة يتردد في منح ثقته مجددًا، ويعيد النظر في معاني الصداقة وجدواها. وقد يصبح القلب أكثر حذرًا، يخشى أن تتكرر التجربة مرة أخرى، فيبني حوله جدران الحماية كي لا يعيد الألم ذاته.

ورغم قسوة هذا الشعور، تبقى الصداقة الحقيقية موجودة. فالتجارب المؤلمة لا ينبغي أن تجعلنا نحاكم كل الصداقات، بل تعلمنا كيف نميز بين من يستحق أن يُفتح له القلب ومن لا يستحق. الحياة لا تخلو من الأرواح الصافية التي تعرف معنى الوفاء وتحفظ الود مهما تغيّرت الأحوال، ويظل هناك أصدقاء أمناء يثبتون أن النقاء لم ينقرض، وأن الصداقة الصافية لا تزال من أجمل الهبات الإلهية في دروب الحياة.

إن أعظم ما يتعلمه الإنسان من تجاربه القاسية في الصداقة، هو أن يكون أكثر وعيًا دون أن يفقد نقاءه. فالحكمة ليست أن نتوقف عن العطاء أو نخشى الثقة، بل أن نتعلم كيف نضع لكل علاقة حدودها العادلة، وأن نُبقي في القلب مساحة لمن يستحق، دون أن نرهق النفس بمن لا يقدر العطاء.

وهكذا يبقى جوهر الصداقة الحقيقي: أن تجد من يظل إلى جوارك حين تختفي المصالح، ومن يواسيك حين تنطفئ الأنوار، ومن يحمل معك هم الحياة دون انتظار مقابل، لا يخذلك حين تضعف، ولا يغيب عنك حين تحتاج، بل يكون مرآة خير في أيامك جميعها.
الصداقة ليست إحساساً عابرًا في دروب الحياة، ولا شعورًا مؤقتًا يبهت بانقضاء المصالح والغايات، بل هي نور دفين يتوهج في أعماق الروح، كنبضٍ خفي يرافق القلب في صمته وهمسه. تزداد بهاءً مع مرور الأيام، وتظل حاضرة كنسمة حانية في زمن الجفاء، تحفظ العهد، وتُزهِر في وجدان أصحابها مهما فرقتهم المسافات وتقلبت بهم الأيام.

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي