الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
ثانياً : مما جاء في موضوع الفرص في السنة النبوية المطهرة :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينتهز فرصة موسم الحج لتبليغ رسالة ربه؛ حيث كان يقوم بدعوة القبائل ويعرض نفسه عليهم، ويقول:"ألا رجل يحملني إلى قومه؛ فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" ( صحيح)
كان صلى الله عليه وسلم ينتهز فرصة اجتماع زعماء قريش في منتدياتهم فيدعوهم للإسلام, كما انتهز الرسول صلى الله عليه وسلم فرصة عيادته للغلام اليهودي وهو مريض فدعاه للإسلام, فأسلم وقال صلى الله عليه وسلم :"الحمد لله الذي أنقذه الله من النار"(البخاري)
كان صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرص لتعليم الناس وتربيتهم من خلال الأحداث والوقائع التي يعايشونها ,فمن ذلك:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ, وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: " ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ, قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ". أخرجه أحمد وصححه الألباني.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ‘ مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: «فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»(رواه مسلم).
كان صلى الله عليه وسلم يحث الناس على اغتنام فرص الخير : فعن أبي مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ". رواه مسلم.
قال صلى الله عليه وسلم : "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" (رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا " رواه وأحمد وصححه الألباني
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ " رواه البخاري
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري ومسلم
وكان الصحابة رضي الله عنهم يحثون بعضهم على اغتنام الفرص بأنواعها ، فمن ذلك:
كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى سَلْمَانَ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَخِي, فَاغْتَنِمْ صِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ، وَيَا أَخِي اغْتَنِمْ دَعْوَةَ الْمُؤْمِنِ الْمُبْتَلَى، وَيَا أَخِي وَلْيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ» أخرجه البيهقي وحسنه الألباني.
عن قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ، فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ شُهُودَ الْعَتَمَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَعَلْتُ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَنِي وَمَعَهُ عُرْجُونٌ يَمْشِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا قَتَادَةُ هَهُنَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» ، قُلْتُ: اغْتَنَمْتُ شُهُودَ الصَّلَاةِ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللهُ، فَأَعْطَانِيَ الْعُرْجُونَ، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلْفَكَ فِي أَهْلِكَ، فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجُونِ، فَأَمْسِكْ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ بَيْتَكَ، فَخُذْهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ بِالْعُرْجُونِ» ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ مِثْلَ الشَّمْعَةِ نُورًا فَاسْتَضَأْتُ بِهِ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَوَجَدْتُهُمْ رُقُودًا، فَنَظَرْتُ فِي الزَّاوِيَةِ، فَإِذَا فِيهَا قُنْفُذٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِالْعُرْجُونِ حَتَّى خَرَجَ. رواه الطبراني وحسنه الألباني
بل كانوا يتسابقون بينهم لاغتنام الفرص ، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال قال الرسول صلى الله عليه وسلم : عُرِضت عليَّ الأممُ ، فأجدُ النَّبيَّ يمرُّ معه الأمَّةُ ، النَّبيُّ يمُرُّ معه النَّفرُ ، والنَّبيُّ يمُرُّ معه العشرةُ ، والنَّبيُّ يمُرُّ معه الخمسةُ ، والنَّبيُّ يمُرُّ وحدَه ، فنظرتُ فإذا سوادٌ كثيرٌ ، قلتُ : يا جبريلُ ، هؤلاء أمَّتي ؟ قال : لا ، ولكن انظُرْ إلى الأفقِ ، فنظرتُ فإذا سوادٍ كثيرٍ ، قال : هؤلاء أمَّتِك ، وهؤلاء سبعون ألفًا قُدَّامَهم لا حسابَ عليهم ولا عذابَ ، قلتُ : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوُون ، ولا يستَرْقون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربِّهم يتوكَّلون . فقام إليه عُكَّاشةُ بنُ مِحصَنٍ فقال : ادْعُ اللهَ أن يجعلَني منهم ، قال : اللَّهمَّ اجعَلْه منهم . ثمَّ قام إليه رجلٌ آخرُ قال : ادْعُ اللهَ أن يجعلَني منهم ، قال : سبقك بها عُكَّاشةُ) صحيح البخاري
بوَّب الإمام البخاري في صحيحه (2/181)؛ (كتاب الحج) بابًا أسماه: (باب التجارة في الموسم والبيع في أسواق الجاهلية) .. يشير إلى فرصة التجارة في المواسم حيث تتهيَّأ سبلُ الكسب بشكل كبير من خلال اجتماع الناس في هذه المواسم.
bawazeer8269@gmail.com