الفرص 58فوق40

الفرص 58فوق40

  • الثلاثاء 01 نوفمبر 2025
  • 03:25 PM

الملتقى / شوقي بن سالم باوزير

كنتُ  أقوم بتقديم دورة تدريبية لطلاب المرحلة المتوسطة ،بعنوان (اكتساب المهارات وتنميتها).  وكان من التدريبات فيها (تدريب الكتابة باليد الأخرى)، فالطالب الذي يكتب باليمنى عليه الآن أن يؤدي التمرين باليد اليسرى والعكس كذلك. كان التمرين سهلا جدا: (اكتب اسمك الثلاثي باليد الأخرى عشرين مرة)!!

وعند تفحصي لخطوط أداء الطلاب؛ كان الوضع كما هو متوقعٌ.. يبدأ أحدهم من أقصى اليمين فإذا به ينحدر إلى أقصى الشمال في عدم توازن وبخط متكسر.. بدأ الطلاب يتندرون على بعضهم البعض .. إلا أنني اكتشفت أحدهم يكتب بخط جميل !!
قلت له: يا بني فضلا استخدم اليد الأخرى 
قال: حاضر يا أستاذ.
فكتب فإذا بخطه أجمل من السابق!!
قلت: اكتب باليد الأخرى . 
فكتب فإذا خطه قريب من السابق!!
ثم سألته: أي يد تستخدمها في الكتابة أصلا؟
فقال: اليد اليمنى .. ولكني اكتب كذلك باليد اليسرى!
فقلت آه .. نحن اليوم أمام  أعجوبة نادرة .. أمام إنسان يمتلك القدرة على استخدام يديه بالدرجة نفسها!! ( يعد هؤلاء نسبة ضئيلة جدا من الناس).
قال لي عبدالله : في الحقيقة يا أستاذي أني كنت أكتب باليد اليمنى فقط .. لكني أجبرت على الكتابة باليد اليسرى حتى أتقنت الكتابة بها.
قلت وكيف ذلك ؟

قال عبدالله: خرجت ذات يوم لألعب الكرة مع زملائي ، وفي أثناء اللعب سقطت وأصبت بكسر في يدي اليمنى.
فلما ذهبت إلى المستشفى لزمني عمل جبيرة لليد.
ثم عدت إلى البيت بعد العشاء، ولما أردت التهيأ  للنوم؛ ناداني والدي: عبدالله إلى أين ؟ 
قلت : إلى النوم يا أبي
قال : والواجبات؟ إنك لم تذاكر اليوم منذ أن عدت من المدرسة !
فأشرت إلى يدي المكسورة والجبيرة التي عليها..
فقال والدي : ألديك واجبات لم تقم بأدائها للغد؟
قلت : نعم يا والدي .. واجب الرياضيات
قال: إذا قم الآن بأدائها 
قال : ولكن يدي التي أكتب بها  مكسورة الآن يا والدي ! قال : وماذا عن اليد الأخرى؟

 

يقول عبدالله: أعرف أبي جيدا فإنه إذا قال كلمة فإنه يقصدها تماما.. 
ذهبت لأداء الواجب .. بدأت استخدم يدي اليسرى بصعوبة جدا، وكان خطي قبيحا ولكن تحت إصرار والدي الذي علمنا أن لا نعتذر عن شيء نستطيع القيام به؛ أديت الواجب بكلفة زائدة ووقت أطول.
وفي الصباح حينما ذهبت إلى المدرسة، وفي الحصة الأولى (مادة الرياضيات)  التقيت بزملائي الذي حمدوا  الله له على سلامته .. دخل معلم الرياضيات وسلم على الطلاب واستفسر مني عن سبب هذه الجبيرة التي بيدي ؛ فأخبرته بالأمر .. ثم دعا المعلم لي بالشفاء العاجل.
وقبل أن يبدأ المعلم بشرح الدرس، سأل الطلاب عن الواجب المنزلي .. فتحركت لأخرج دفتر الواجبات .. وهنا همس في أذني أحد الطلاب قائلا : هل أديت الواجب يا عبدالله! فقلت: نعم. فقال:  قبل التجبيرة أم بعدها؟ قلت: بل بعدها!! 
فاستغرب زميلي من ذلك وقال: كان يمكنك أن تعتذر للمعلم بسبب ما حصل لك. فقلت له : ولكن أبي علمني أن لا أعتذر لأحد عن شيء أستطيع القيام به.. وقد فعلت ولكن باليد اليسرى!
استمر عبدالله يكتب بيده اليسرى، وقد عانى الأمرين في ذلك.. فالطلاب يخرجون للفسحة وهو يمكث يكتب ما سطره المعلم على السبورة
وهكذا بدأت مع عبدالله فرصة اكتساب مهارة جديدة. إنها مهارة الكتابة باليد اليسرى.. 
ومع الأيام أصبحت الكتابة باليد اليسرى شيئا عاديا، بل وتحسن خطه بها كثيرا إلى أن قارب جمال خطه باليسرى من خطه باليد اليمنى!!
والعجيب أنه بعد أن أزال الجبيرة عن يده اليسرى بعد شهر تقريبا .. استمر يكتب بيده اليسرى مرة وبيده اليمنى مرة أخرى. 
لقد أصبح عبدالله ماهرا في الكتابة بكلتا يديه اليمنى واليسرى. يقول عبدالله : لقد كانت الجبيرة في يدي اليمنى فرصة لاكتساب مهارة الكتابة باليد اليمنى .. وقد اكتسبتها بحمد الله .

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي