الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛ فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو).
الحياة .. فرص.. وفرصتك الآن هي الحياة
أنماط الناس في التعامل مع الفرص (أ)
أولا : أنماط الناس في التعامل مع الفرص لأنفسهم
النمط الأول :المنتهزون للفرص
وهم المغتنمون والمتصيدون لها حين تتاح أمامهم. فمن الناس من يسعى لاغتنام الفرص وانتهازها، أسوة بإمام المصلحين r فقد كان هذا شأنه وديدنه ففي مجال انتهاز فرص التعليم هذه قصة الرسول r مع معاذ رضي الله عنه، فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه قال -: بينا أنا رديف النبي r ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ" قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال :"هل تدري ما حق الله على عباده؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال :"حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً" ثم سار ساعة ثم قال :"يا معاذ بن جبل" قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال :"هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه" قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"حق العباد على الله أن لا يعذبهم". متفق عليه
النمط الثاني:المبادرون لاغتنام الفرص
هناك مقولة جميلة تفرق بين الفرصة التي يبادر المرء إلى انتزاعها بنفسه وبين الفرصة التي تمنح له.. تقول هذه المقولة: " اجعل اهتمامك بالفرصة التي تنتزعها، وليس في الفرصة التي تمنح لك" .
المبادرون لاغتنام الفرص هم الذين يثمنون الفرص، فلا يقف الأمر لديهم عند مجرد اغتنامها حين تتاح لهم، بل تراهم يبادرون لاقتناصها؛ لأنهم يدركون قيمتها، وأنها قد لا تعود مرة أخرى، أو قد تعود لكنهم قد لا يكونون يملكون القدرة على اقتناصها لعلة ما أو لوفاة. ويبرز ذلك في حديث النبي r حيث قال: "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك" (رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما).
وفي قصة نبي الله يوسف عليه السلام حين عبر رؤيا الملك، وأخبر أنهم أمام سبع سنين من الرخاء، وسبع أُخر من الشدة وأمرهم أن يغتنمو فرصة الرخاء ليدخروا لسني الجفاف.
النمط الثالث: الباحثون والمفتشون عن الفرص
وهم الإيجابيون الذين يتجاوزون مجرد اغتنام الفرص التي تتاح لهم ليبحثوا ويفتشوا عنها. فها هو r حينما لم يجد استجابة من قومه في مكة يرحل إلى الطائف يعرض نفسه عليهم باحثا عن فرص جديدة لعل الله أن يفتح قلوبهم للهداية..
النمط الرابع: صناع الفرص
حين لا يجد المرء فرصة سانحة أمامه، يفتش يمنة ويسرة، ساعيا لإيجاد الفرصة؛ فالحاجة أمُّ الاختراع، ولن تعجز عقول الناس عن أن تهيء الفرص وتوجدها. فها هم صناع السلاح والمتاجرين به حين تكسد سوقه يفتعلون المعارك والحروب ويؤججون نارها ليروجوا بضاعتهم. وهاهم أصحاب رؤوس الأموال يغرقون الناس بالدعاية لمنتجاتهم حتى يوجدوا فرص تسويقها. وقديما كان الصياد حين لا تتاح له فرصة اجتماع الطير يلقي له طُعما حتى يجتمع فيصيده. والمؤسسات الاقتصادية اليوم تنفق الملايين على أولئك الذي يفكرون بخطط تنهض بها وتطورها، ويرون أنهم يربحون من تلك الملايين التي تنفق على ابتكار أفكار والبحث عن فرص جديدة، والذين يسعون لبناء المجتمعات أولى من الذين يسعون للتجارة والمادة.
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله