الفرص في الحياة (22 من 40)

الفرص في الحياة (22 من 40)

  • الثلاثاء 01 أكتوبر 2025
  • 02:36 PM

الملتقى / شوقي بن سالم باوزير


إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛  فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو).
الحياة .. فرص.. وفرصتك الآن هي الحياة
يمكن  تقسيم الفرص من حيث وصفها إلى سبعة أنواع
:

 

أولاً  الفرص السانحة :

 

 هناك مقولة (لويليام آرثر وارد): " الفرص السانحة مثلها مثل شروق الشمس؛ إن انتظرت طويلا فإنك غالبا ما تفقدها". والفرصة السانحة هي وسيلة لتحقيق هدف مّا لدى المرء، يراها أمامه فجأة (تأتيه دون تخطيط سابق)!! ويملك القدرة على  اقتناصها.  وتوضيحا لذلك نضرب المثال التالي: 
(عرض مكتب النور العقاري على صالح شراء إحدى الأراضي إما لكونها رخيصة الثمن ومن المتوقع ارتفاع قيمتها قريبا (فرصة استثمارية)، أو في موقع يتمناه صالح (أمنية)، ويملك صالح قيمتها؛ فهي فرصة سانحة له. فإذا ما قرر صالح شراءها واشتراها فعلا فهي (فرصة منتهزة) .
ولكن كيف يمكن معرفة أن الفرصة هذه هي الفرصة المطلوبة؟ وكيف يمكن معرفة أن الفكرة هذه صحيحة لحل مشكلة معينة؟؟
الفرصة السانحة إن كانت على هيئة فكرة سانحة فهي عادة ما  تأتي مظلية أي شاملة لكل أجزاء المشكلة لا يبقى جزء في المشكلة إلا وغطّته.  ثم إنها  تأتي سهلة ميسرة، ومن جهة المستقبل لها؛ فإنه يصبح في حالة هيجان وانفعال نفسي وانشغال بال بالفرصة.  وهنا يتوجب على الفور  تقيد هذه الفكرة قبل أن تطير.


ثانياً  الفرص العابرة :

 

وهي وسيلة لتحقيق هدف ما لديك تراها أمامك فجأة (تأتيك دون تخطيط سابق) !! ولا تملك القدرة على  اقتناصها. وتوضيحا لذلك نضرب المثال التالي: 
(تم قبول محمد في إحدى الجامعات العلمية في مدينته، كما حصل محمد على منحة دراسية بإحدى التخصصات العلمية الجامعية في مدينة تبعد عن مدينته 500 كم -نظرا لحصوله على المركز الأول في منطقته - وهو يعتبرها فرصة من وجهة نظره إما لتمنيه الالتحاق بها نظرا لمكانتها العلمية بين الجامعات (فرصة أمنيات)، أو لارتفاع تكلفة الدراسة فيها، وهو من أسرة ميسورة الحال (فرصة مالية)، أو بسبب صعوبة القبول فيها (فرصة نادرة).  ولكن محمد لا يستطيع الالتحاق بها نظرا لحاجة والديه إليه للبقاء معهما في البيت، فهذه الفرصة بالنسبة له تعتبر (فرصة عابرة) لا يستطيع اقتناصها. وتتفاوت حجم المنفعة والفائدة بحجم الفرصة، فهناك بعض الفرص تكون عابرة ويمكن تعويضها فى مناسبة أخرى أو فى وقت لاحق أو فى مكان آخر ، ومثال ذلك:  فرصة الحصول على أسعار منخفضة لسلع استهلاكية فى موسم للتخفيضات في إحدى المعارض، حيث يفاجأ الفرد بهذه الفرصة عند قرب نهاية الموسم فيحاول جاهدا أن يغتنم الفرصة ويقتنى ما يحتاجه من سلع، ولو علم هذا الفرد بخبر موسم التخفيضات بعد انتهائه ينتابه شعور بالندم ويعاتب كل من علم من أصدقائه وأقاربه ولم يخبره .

ثالثاً الفرص الواهية:

 

جاء في المعجم الوسيط: واهية أي بعيدة عن الحقيقة مزيفة ضعيفة متداعية، قال الله (فهي يومئذ واهية)  (الحاقة16). فالفرصة الواهية إذاً هي ما يظهر للمرء أنها فرصة، بينما في حقيقة أمرها أمر مزيف ضعيف متداع كالسراب يحسبه الظمآن ماء (فرصة للنجاة) حتى إذا جاءه لم يجده شيئا (فرصة واهية). ومن الفرص الواهية ما ذكره صاحب كتاب المذاهب الفكرية المعاصرة (غالب عواجي 2/1033) حينما خرج الأمير محمد بنفسه إلى طليطلة في المحرم عام 240هـ . فخرج له القائد النصراني (غثون بن لإذفونش) في جمع عظيم من النصارى. فلما بلغ الأمير محمد الخبر قرب طليطلة، عبأ الجيوش، وكمن الكمائن له، وطلع في أوائل العسكر في قلة من العدد. فلما رأى ذلك أهل طليطلة، أعلموا العلج بما عاينوه من قلة المسلمين؛ فتحرك العلج فرحا، وقد طمع في الظفر والغنيمة وانتهاز الفرصة. ولما التقى الجمعان، خرجت الكمائن عن يمين وشمال، حتى غشي الأعداء منهم ظلل كالجبال؛ فانهزم المشركون وأهل طليطلة، والمسلمون يكبرون ويهللون ويحمدون ربهم ويشكرون. 
 رابعاً فرص الغدر:

 

لقد حرم الإسلام الغدر قال الله :   وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة98) . ومن معاني الغدر الخيانة ونقض العهد وعدم الوفاء به، والتاريخ مليء بما حكاه من فرص استغلها المنتهزون للغدر بالآخرين وخاصة بالمسلمين. فمن ذلك ما جاء في الموسوعة التاريخية( في موقع الدرر السنية)  لما دخل جيش الخبيث الزنجي إلى البصرة قهرا عام257هـ (870م) وقتل من أهلها خلقا وهرب نائبها بغراج ومن معه، وأحرق الزنج جامع البصرة ودورا كثيرة، وانتهبوها. نادى فيهم إبراهيم بن المهلبي أحد أصحاب الزنجي الخارجي: من أراد الأمان فليحضر، فاجتمع عنده خلق كثير من أهل البصرة فرأى أنه قد أصاب فرصة فغدر بهم وأمر بقتلهم، فلم يفلت منهم إلا الشاذ.   ومن ذلك، لما قضى يعقوب بن الليث الصفار على الدولة الطاهرية، وأقام دولته على أنقاضها، فأمر الخليفة المعتمد أن يجهز جيشًا بقيادة أخيه الموفق لمواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م ويشاء الله أن تدور الدائرة على يعقوب فيهزم، ولكن المعتمد يرى الاحتفاظ بولائه للخلافة، ويصل رسول الخليفة إلى يعقوب، وهو في مرض الموت، ولكن بعد أن كَوَّنَ دولة، وبسط سلطانه عليها. ويُظهر أخوه (عمرو) من بعده ولاءَهُ للخليفة، فيوليه الخليفة خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، والسند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرو كأخيه ذا أطماع واسعة، فانتهز فرصة تحسن العلاقة بينه وبين الخليفة ليغدر به وليحقق رسالة أخيه التوسعية؛. فاتجه بنظره إلى إقليم ما وراء النهر الذي كان يحكمه السامانيون، ولكن قوتهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتمد ليساعده على تملك هذا الإقليم، لكنه هُزم هزيمة ساحقة، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيين، وأُرسل إلى بغداد ليقضى عليه فيقتل سنة 289هـ / 902م. 

خامساً  فرص الإصلاح لا التشّفي :

وهي ما قد يعتبره البعض فرصة للتشفي من الآخرين أو انتقاص حقهم؛ لضعفٍ مرَّ بهم أو لأمر حادث لهم، فينتهز هذا الضعف أو هذا الأمر للقيام بالضرر على صاحب الموقف الضعيف. فمن الشواهد على فرص الإصلاح لا التشّفي: قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغلام الذي جاءه يستأذنه بالزنا....(الحديث)؛ فقد يعتبر البعض هذا الموقف فرصة للتنكيل بهذا الغلام من خلال طلبه الإذن له بالزنا! ولكن حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك وهو المعلم والمربي وصاحب الخلق الرفيع، حيث بيّن له سوء عاقبة الزنا بضرب المثل له.

سادساً فرص في محنة:

 

قد تخرج الفرصة أحيانا من رحم المشكلات والابتلاءات (خروج النعم من رحم النقم). فمن ذلك مثلا : الابتلاء بالمرض؛ فمن جهة المريض يعتبر المرض فرصة لمراجعة النفس ومعرفة ضعفها أمام قوة الله، وفرصة البقاء على السرير  الأبيض والاستفادة من الوقت في القراءة أو التأليف أو فرصة لتكفير الذنوب..وما شابه ذلك. أما من جهة الآخرين فيكون هذا المرض فرصة لاكتساب الأجر بزيارة المريض، وبالنسبة لعمل المستشفيات يكون ذلك فرصة لانتعاشها والمستوصفات وشركات الأدوية خاصة عند انتشار الأوبئة ونحوها.


سابعاً فرص التعديل والتطوير :

 

هناك فرص ينتهزها الإنسان لا بقصد الفوز وتحقيق السبق في مجال ما .... بل من أجل التعديل والتطوير فمن ذلك مثلا : زيارة فريق الجودة الشاملة لمدرسة ما أو مؤسسة ما تعتبر فرصة للتطوير والتعديل حسب توجيهات ومرئيات الفريق الزائر، أو اشتراك جهة أخرى في جائزة من جوائز التميز في الأداء الحكومي أو الخاص والتي تقتضي توفير معايير محددة تفي باشتراطات المسابقة؛ يعتبر فرصة لتحسين الأداء من خلال توفير معايير الجائزة في هذه الجهة (المدرسة أو المؤسسة...) ولو كان احتمال الفوز بالجائزة ضعيفاً.

للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM 
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي