الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛ فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو).
الرسول صلى الله عليه وسلم يحث صحابته والأمة من بعدهم على اغتنام الفرص:
لقد كان اغتنامه صلى الله عليه وسلم للفرص في الوقائع والأحداث ديدنًا له في تربية الصحابة؛ فلقد كان يحثُّهم على انتهاز الفرص واغتنامها –على مختلف أنواعها- وهناك الكثير من الشواهد على ذلك منها :
(و) فرصة هداية الآخرين:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قال، سَمِعَتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" وَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» رواه كتاب الجهاد والسير, باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة....(2942), مسلم, كتاب فضائل الصحابة, باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2406).
ما أعظمها من فرصة لو أتيحت لك! وما أعظمه من أجر لو استطعت أن تقتنصَ فرصة هداية شخص ما!.
(ز) فرصة الهمِّ بعمل الحسنة:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ¸ قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» رواه البخاري, كتاب الرقاق, باب من هم بحسنة أو بسيئة, (6491) واللفظ له, مسلم ,كتاب الإيمان, باب إذا هم العبد بحسنة كتبت...(131).
إن مجرد الهمِّ بعمل الحسنة يعتبر فرصةً سانحةً في كثير من الأوقات حتى يُؤجر عليها المسلم بحسنة كاملة ، و إنها لفرصة سانحة لمن همَّ بسيئة أن يصرفَ النظر عنها, فيكتبها الله عنده حسنة كاملة؛ فإنَّ للنية في الإسلام وزنًا عند الله تعالى، فلماذا لا نبادر باغتنام كل فرصة بنية طيبة ؟.
(ح) فرصة إزالة الأذى عن الطريق لنيل مغفرة الله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» رواه البخاري كتاب الأذان, باب في فضل التهجير إلى الظهر, (625), مسلم, كتاب الإمارة, باب بيان الشهداء,(1914)..
يؤيد هذا الحديثُ عدمَ استصغار أي فرصة سانحة أمام المرء لعمل الخير؛ حيث يمثل تأخير غصن الشوك هنا فرصة سانحة لعمل الخير واكتساب الأجر الكبير من الله.. فكم من غصن شجرة ( كم من فرصة) فاتت علينا, وفات أجرها !.
(ط) اغتنام فرصة نزول الرب تعالى في الثلث الأخير لتحقيق المطالب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ " رواه البخاري , كتاب الجمعة, باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل, (1145), مسلم, كتاب صلاة المسافرين وقصرها, باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (758).
هناك أوقات فاضلة (فرص حقيقية) لإجابة الدعاء، ومن هذه الأوقات الثلث الأخير من الليل. والمتأمل في الحديث يرى أن الله تعالى يوجه إلينا نداءً مع أننا نحن الفقراء إليه وهو الغني سبحانه، ولكنه سبحانه يوجهنا إلى أن نبادر ونستثمر هذه الفرصة في هذا الوقت الذي يغفل فيه أكثر الناس، والنداء الرباني أكثر من رائع: " من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟". فقط نحتاج إلى انتهاز هذه الفرصة فيهذا الوقت وطلب المغفرة والعون من الله تعالى.
(ي) فرصة تنفيس الكُرَب عن الآخرين:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". رواه مسلم, كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار, باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر, (2699).
يركِّز الإسلام كثيرًا على معاني الأخوة والترابط بين المسلمين، وبالتالي يحثُّهم على تطبيق هذه المعاني، والإسلام يحث المسلم على انتهاز كل فرصة فيها قضاء حوائج الناس، والتيسير عليهم ، والستر عليهم، بل وإنَّ الله تعالى يكون مع العبد كلما سعى أكثر في قضاء حوائج الناس وساعدهم وأعانهم. بل وإنَّ من فضل الله تعالى على هذا الشخص بجانب كونه´ معه في الدنيا، فإنه ينتظره جزاء عظيم في الآخرة، وما الذي يحتاج إليه الإنسان أكثر من تنفيس كرباته والتيسير عليه في الآخرة. كل هذا يتحقق إذا انتهزنا هذه الفرصة وسعينا في خدمة الناس وقضاء حوائجهم.
( ك) فرصة كسب الأجر بالابتسامة:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ". رواه مسلم كتاب البر والصلة والآداب, باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء, (2626).
لماذا لا نبادر بانتهاز هذه الفرصة؟ هذا العمل البسيط غير المكلف ,والذي يترتب عليه الأجر من الله, والذي كثيرًا ما يتكرر في اليوم والليلة؛ في المدرسة, في الشارع, في العمل, في المسجد, في السوق…
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM