الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛ فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو).
الرسول صلى الله عليه وسلم يحث صحابته والأمة من بعدهم على اغتنام الفرص:
لقد كان اغتنامه صلى الله عليه وسلم للفرص في الوقائع والأحداث ديدنًا له في تربية الصحابة؛ فلقد كان يحثُّهم على انتهاز الفرص واغتنامها –على مختلف أنواعها- وهناك الكثير من الشواهد على ذلك منها :
(أ) الحثُّ على انتهاز الفرص بالمبادرة إلى تأسيس أو إحياء عمل صالح جديد :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». (رواه مسلم, كتاب الكسوف, باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة.... (1017).)
(ب) الحثُّ على انتهاز الفرص ولو بمجرد الدلالة على الخير :
عن أبي مسعود البدري¢ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ". رواه مسلم(مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله... (1893).)
وهذا يؤكد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على انتهاز أي فرصة في أي موقف أو حال لنشر الخير؛ لما يترتب على ذلك من أجر عظيم.
(ج) تعليم الناس قيمة انتهاز فرصة النعم قبل زوالها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (رواه مسلم , كتاب الإيمان, باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن, (118).
)..هذا الحديث بيانٌ لضرورة انتهاز فرصة الحياة والصحة والعافية؛ للقيام بالأعمال الصالحة قبل أن يحول بينها وبين المرء حائلٌ من موتٍ أو مرضٍ أو فتنةٍ أو انشغالٍ أو نحوه.
(د) فرصة نيل الخيرية بالمبادرة بالسلام عند التقاطع والتدابر:
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ " (البخاري, كتاب الأدب, باب الهجرة, (6077), مسلم, كتاب البر والصلة والآداب, باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي, (2560))
هذا الحديث يفتح آفاقًا واسعة في عالم الفرص؛ إنها فرصة الخيرية بأن يكون المرءُ سابقًا في الأوْبة وإعادة المياه لمجاريها (كما يقال)؛ فإن الشخص العاقل يرى في هذا الهجران الذي وقع لسبب أو لآخر فرصةً يستثمرها للحصول على الأجر والثواب من الله, وذلك بالسلام على الآخر ،والسلام هو مفتاح رأبِ الصدع, وأداة إعادة العلاقات كما كانت.
(ه) استثمار الفرص ولو في حال الضيق :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا "( أحمد (20/251) (12902), البخاري في "الأدب المفرد" (1/168) (479). وصححه الألباني في "الصحيحة" (9))
هذا الحديث من أروع الأحاديث المحفِّزة لاستثمار الفرص حتى في أحْلَك الأوقات وأشدِّها ضيقًا؛ فلحظات قيام الساعة لحظات مهولة قد تذهل النفس البشرية عن فرص عظيمة فيها ؛ لأنَّ العبرة بتنفيذ العمل نفسه وليس بشهود نتائجه ورؤية ثمرته؛ فكم من فرصة سانحة فرَّط بها كثيرون؛ لأنها جاءت في حال ضائقة أو موقف عصيب كان بالإمكان بنظرة ثاقبة للأمام استثمارها .إنَّ الضائقة سرعان ما تنجلي ويبقى أثر استثمار الفرصة، في حين لو لم تستثمر الفرصة فإنَّ الضائقة تزول وتزول معها الفرصة.
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM