بقلم/ شوقي بن سالم باوزير
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛ فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو.
الأنبياء وانتهاز الفرصة (موسى ويوسف عليهما السلام):
لقد حثَّ القرآن على انتهاز الفرص والمبادرة إلى اغتنامها؛ يقول الله تعالى: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " (المطففين26)..
بل لقد حرص القرآن على غرس قيمة انتهاز الفرصة والمبادرة لاقتناصها من خلال وسائل متعددة؛ كالخطاب المباشر، والقصص القرآني،
وإليك بعض النماذج من القصص القرآني والتي تبيِّن بعض المغتنمين للفرص خلال التاريخ البشري:
ضرب الأنبياء أروع الصور في انتهاز الفرص واستثمارها في حياتهم وفي دعوتهم لأقوامهم إلى دين الله تعالى. وتحدثنا في المقال السابق عن انتهاز أنبياء الله للفرص آدم – نوح- إبراهيم عليهم الصلاة والسلام .. واليوم نتحدث عن موسى ويوسف عليهما السلام في انتهاز كل فرصة للدعوة إلأى الله وتبليغ الرسالة
موسى عليه الصلاة السلام:
من أولي العزم من الرسل كذلك، وقد ضرب لنا۴ نماذجَ رائعةَ في المبادرة لانتهاز فرصة عمل الخير للآخرين؛ يقول الله تعالى عنه في سورة القصص: "وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ{23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{24} فَجَاءتْهُإ ِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{25}" القصص: 23-25.
لقد بادر’بانتهاز فرصة عمل الخير حينما رأى امرأتين ضعيفتين تحاولان أن تأخذا الماء، فذهب وساعدهما، ولم ينتظر الأجر منهما، بل تولى إلى الظل ليرتاح، وسبحان الله! من يعمل عملًا خالصًا لله يريد به مساعدة الناس، يكافئه الله تعالى من حيث لا يدري.
يوسف عليه السلام:
وفي قصة يوسف عليه السلام حين دخل السجن أوضح مثال على انتهاز الفرص للدعوة إلى الله؛ وذلك حين التقى يوسف عليه السلام بالرجلين وسألاه عن تأويل حلميهما, فبادر عليه السلام بانتهاز الفرصة لدعوتهما إلى الله¸؛ قال الله تعالى : "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أ َرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْق َرَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{36} قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{37} وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ{38} يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{39} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{40}". يوسف: 36-40.
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM