الفرص في الحياة (5 من 40)

الفرص في الحياة (5 من 40)

  • الثلاثاء 01 سبتمبر 2025
  • 07:00 AM

 

الملتقى / شوقي  بن سالم باوزير

 

إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛  فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو.

الأنبياء وانتهاز الفرصة ( آدم – نوح- إبراهيم عليهم الصلاة والسلام):

لقد حثَّ القرآن على انتهاز الفرص والمبادرة إلى اغتنامها؛ يقول الله تعالى: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " (المطففين26)..
 بل لقد حرص القرآن على غرس قيمة انتهاز الفرصة والمبادرة لاقتناصها من خلال وسائل متعددة؛ كالخطاب المباشر، والقصص القرآني،
 وإليك بعض النماذج من القصص القرآني والتي تبيِّن بعض المغتنمين للفرص خلال التاريخ البشري:
أولًا : الأنبياء والرسل:
ضرب الأنبياء أروع الصور في انتهاز الفرص واستثمارها في حياتهم وفي دعوتهم لأقوامهم إلى دين الله تعالى، ومنهم : 
1-    آدم عليه الصلاة و السلام:
لقد قدَّم عليه السلام وزوجته نموذجًا رائعًا من نماذج اقتناص الفرص في مجال التوبة؛ قال الله تعالى في سورة الأعراف: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ{22} قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{23}". الأعراف:22-23.
بَدَتْ أمامهما فرصة التوبة فبادرا إليها ما دام في الأمر متسعٌ ، ففازا برضى ربهما, بينما خسر الطرف الآخر (إبليس) الذي رفض فرصة التوبة؛ قال تعالى:{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} الأعراف:12 . 

2-    نوح عليه الصلاة السلام:
من أولي العزم من الرسل,  هذا الرسول الباحثُ عن كل فرصة يمكن من خلالها تحقيقُ دعوتِه لقومه,  ومع أن قومَه كذبوه, ولم يؤمن منهم إلا القليل، إلا أنه’ ضرب لنا نموذجًا رائعًا في استمرار البحث عن الفرص وانتهازها؛ قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6}َوإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِيآذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10}} نوح: 5-10.

3-    إبراهيم عليه الصلاة السلام:
من أولي العزم من الرسل, ضرب أمثالًا رائعة على انتهاز الفرص واستثمارها ،منها ما أخبر  الله تعالى عنها في سورة الأنبياء قال تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ{51{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ{52} قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ{53} قَالَ لَقَدْكُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{54} قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ{55} قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{56} وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ{57} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ{58}" الأنبياء: 51-85.
     إنها فرصة إثارةِ العقل بعيدًا عن العاطفة وبعيدًا عن العادة؛ حيث كسَّر أصنامهم, وتركهم جُذاذًا إلا كبيرًا لهم؛ لعلهم إليه يرجعون, فيخبرهم عن الفاعل؛ قال تعالى:{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)} الأنبياء:59-67.

 لقد كانت فرصة سانحةً لإبراهيم إذ حرَّك التفكير في عقولهم بعيدًا عن العاطفة وقيود العادة لدرجة أنهم كادوا أن يفيقوا من غفلتهم, فكانت فرصتهم في الهداية والتوبة والرجوع إلى الله عظيمة, ولكنهم لم يبادروا إليها بل فرطوا فيها. 

إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي