الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
بحر الأربعين.. وما أدراك ما الأربعون؟
هام بنو إسرائيل على وجههم في الصحراء 40 سنة، وانقطعت بهم وسائل الحياة وسبلها؛ وليس لديهم إلا رحمة الله بعباده، قال تعالى ﴿وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ (سورة البقرة: 57)، وهي تربية من الله لهم وللجيل الجديد الذي بعدهم.
وتفسير أربعين سنة يتيهون في الأرض أي: يترددون في البرية متحيرين في الأرض حتى يهلكوا كلهم، و (التيه) المفازة التي يتيه فيها سالكها فيضل عن وجه مقصده . فلا تأس أي: تحزن
ومعنى: " يتيهون في الأرض "، يحارون فيها ويضلُّون= ومن ذلك قيل للرجل الضال عن سبيل الحق: " تائه ". وكان تيههم ذلك: أنهم كانوا يصبحون أربعين سنة كل يوم جادِّين في قدر ستة فراسخ للخروج منه، فيمسون في الموضع الذي ابتدأوا السير منه.
ما هي ؟
وقال سفيان الثوري: عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ عن الارض المقدسة التي حرمها الله على بني اسرائيل في قوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قال: هي الطور وما حوله.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله حول هذه الآيات :
ثم قال تعالى مُخبرًا عن تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد والدُّخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب لما ارتحل هو وبنوه وأهلُه إلى بلاد مصر أيام يوسف عليه السلام ، ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع موسى، فوجدوا فيها قومًا من العمالقة الجبارين، قد استحوذوا عليها وتملّكوها، فأمرهم رسول الله موسى عليه السلام بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبشَّرهم بالنُّصرة والظّفر عليهم، فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره، فعُوقبوا بالذَّهاب في التّيه، والتَّمادي في سيرهم حائرين، لا يدرون كيف يتوجّهون فيه إلى مقصدٍ؟ مدّة أربعين سنةً عقوبةً لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى.
فقال تعالى مُخبرًا عن موسى أنَّه قال: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21] أي: المطهرة.
وقال سفيان الثوري: عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ في قوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ قال: هي الطور وما حوله. وكذا قال مجاهد وغير واحدٍ. وروى سفيان الثوري عن أبي سعيدٍ البقّال، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: هي أريحاء. وكذا ذكر عن غير واحدٍ من المفسّرين، وفي هذا نظر؛ لأنَّ أريحاء ليست هي المقصودة بالفتح، ولا كانت في طريقهم إلى بيت المقدس، وقد قدموا من بلاد مصر حين أهلك اللهُ عدوهم فرعون، إلا أن يكون المراد بأريحاء أرض بيت المقدس، كما قاله السّدي فيما رواه ابنُ جرير عنه، لا أنَّ المراد بها هذه البلدة المعروفة في طرف الطور شرقي بيت المقدس.
وقوله تعالى: الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أي: التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل: أنَّه وراثة مَن آمن منكم، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ أي: ولا تنكلوا عن الجهاد، فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة:21-22] أي: اعتذروا بأنَّ في هذه البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها قومًا جبارين، أي: ذوي خِلَقٍ هائلةٍ، وقوى شديدةٍ، كانوا عظامًا، لهم أجسام عظيمة، يعني: من الخلقة، ما هو من الخُلق، من الخِلقة، لكن قوله "هائلة" يدلّ على أنها خلقة، أو هائلين: ذوي خلق هائلين.أي: ذوي خِلقة هائلة، وقوى شديدة، وإنا لا نقدر على مُقاومتهم، ولا مُصاولتهم، ولا يمكننا الدُّخول إليها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها دخلناها، وإلا فلا طاقةَ لنا بهم.
قال عكرمة: عن ابن عباسٍ، قال: أمر موسى أن يدخل مدينة الجبَّارين، قال: فسار موسى بمَن معه حتى نزل قريبًا من المدينة، وهي أريحاء، فبعث إليهم اثني عشر عينًا، من كل سبطٍ منهم عين؛ ليأتوه بخبر القوم.
قال: فدخلوا المدينة، فرأوا أمرًا عظيمًا من هيئتهم وجسمهم وعِظمهم، فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحبُ الحائط ليجتني الثِّمار من حائطه، فجعل يجتني الثِّمار وينظر إلى آثارهم، فتبعهم، فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمِّه مع الفاكهة، حتى التقط الاثني عشر كلّهم، فجعلهم في كمِّه مع الفاكهة، وذهب بهم إلى ملكهم، فنثرهم بين يديه، فقال لهم الملك: قد رأيتُم شأننا وأمرنا، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم. قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم. وفي هذا الإسناد نظر.
ثم علق الشيخ على هذا الكلام فقال: هذا من خُرافات بني إسرائيل، الله المستعان، ومهما كان لو أنَّه على شرط "الصحيحين" فهو من خُرافات بني إسرائيل؛ لأنَّ ابن عباسٍ يروي عن بني إسرائيل الغثّ والسّمين. نعم.
وعلق الشيخ على قولهم أنَّ الواحد منهم يلمس السَّماء! فقال: هذا من خُرافاتهم أيضًا، فالخلق أقصاه ستون، ولم يزل الخلقُ ينقص كما في "الصحيحين": خلق آدم بطول ستين ذراعًا، فلم يزل الخلقُ ينقص إلى وقت النبي ﷺ وإلى وقتنا، نعم، فهذا من خُرافاتهم أيضًا. وقال: الجبَّارون كلّهم أعطاهم اللهُ قوةً مثلما أعطى عادًا قوةً زائدةً على جنسهم، لكن ما يلزم أنَّه يلمس السَّحاب، أو يلمس النجوم، أو أنَّه أكثر من ستين ذراعًا، أو أنَّهم يحطّون اثني عشر في كمِّهم! كلّ هذا من خُرافاتهم.
والله أعلم
وبعد ماذا لديكم بعد عن الأربعين؟
للتواصل: bawazeer8269@gmail.com