الزائدة (20) الأربعون ذلك الشيء العجيب

الزائدة (20) الأربعون ذلك الشيء العجيب

  • الثلاثاء 01 أغسطس 2025
  • 10:51 AM
 

 

الملتقى / شوقي بن سالم بازير


 
نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عمر الأربعين
من الواضح أن سن الأربعين له أهمية خاصة في حياة الإنسان؛ حتى إن الله عز وجل ذكره على وجه التخصيص في كتابه الكريم حين قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]، فهذا التمام في العقل، وهذا النضوج في الأخلاق، وهذا العمق في الرؤية، وهذه القدرة على فهم الأمور فهمًا صحيحًا، بدأت عند سن الأربعين.

وصف أنَسُ بنَ مَالِكٍ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقَالَ: كانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ ليسَ بالطَّوِيلِ ولَا بالقَصِيرِ، أزْهَرَ اللَّوْنِ ليسَ بأَبْيَضَ، أمْهَقَ ولَا آدَمَ، ليسَ بجَعْدٍ قَطَطٍ، ولَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عليه وهو ابنُ أرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عليه، وبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وقُبِضَ وليسَ في رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِن شَعَرِهِ، فَإِذَا هو أحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. (التخريج : أخرجه البخاري (3547)، ومسلم (2347)
)

كان الصَّحابةُ الكِرامُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُبًّا جَمًّا، حتَّى أنَّهم يَحْكُونَ ويَنقُلونَ لمَن بعْدَهم شَمائلَه وأوْصافَه الجَسديَّةَ والمَعْنويَّةَ. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن بَعضِ صِفاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الجِسميَّةِ، فأخْبَرَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان «رَبْعةً مِن القَومِ»، أي: مُتوسِّطَ الطُّولِ بيْن الطَّويلِ المُفرِطِ في الطُّولِ، والقَصيرِ الشَّديدِ القِصَرِ، أمَّا لونُ بشَرَتِه فقدْ كان «أزْهَرَ اللَّونِ»، أي: أبْيضَ مُشرَبًا بحُمْرةٍ، ليس بأبْيضَ «أمْهَقَ»، أي: لم يكُنْ خالِصَ البَياضِ كلَونِ الجِيرِ، وهو لَونٌ غيرُ مُحبَّبٍ في البشَرِ، «ولا آدَمَ»، أي: وكذلك لم يكُنْ أسمَرَ اللَّونِ. أمَّا شَعرُه فإنَّه «ليس بجَعْدٍ قَطَطٍ»، أي: ليس شَعرُه خشِنًا شَديدَ الخُشونةِ كشَعرِ الحَبَشةِ، «ولا سَبِطٍ»، أي: ولا ناعِمِ الشَّعرِ شَديدِ النُّعومةِ، ولكنَّه شَعرٌ «رَجِلٌ»، يَعْني: مُنسَرِحًا مُستَرسِلًا، فيه بَعضُ التَّكسُّرِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُنزِلَ عليه الوَحيُ بالرِّسالةِ وهو ابنُ أربَعينَ سَنةً، فمَكَثَ بمكَّةَ عشْرَ سنينَ، بعدَ نُزولِ الوَحيِ، ومَجيءِ الملَكِ بـقولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، وإلَّا فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَثَ ثَلاثةَ عشَرَ عامًا بمكَّةَ مِن أوَّلِ ما جاءَه الملَكُ بالنُّبوَّةِ، وبالمَدينةِ عشْرَ سِنينَ، وقُبِضَ وليس في رَأسِه ولِحْيتِه عِشرونَ شَعرةً بَيضاءَ. قال رَبيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ -أحدُ رُواةِ الحديثِ-: «فرَأيْتُ شَعرًا مِن شَعرِه، فإذا هو أحمَرُ، فسألْتُ»، يَحتمِلُ أنَّه سَأَلَ أنسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقيلَ: «احمَرَّ منَ الطِّيبِ»، يَعني: أنَّه لم يَختَضِبْ، وأنَّ الطِّيبَ الَّذي كان يُطيَّبُ به شَعرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الَّذي غيَّرَ لونَه.( انظر الموسوعة الحديثية –موقع الدرر السنية)
ماذا نستفيد من هذا الحديث؟
من الفوائد الجميلة بالإضافة إلى صِفةُ خَلْقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه كان أحسَنَ النَّاسِ خَلْقًا :
-    ينبغي ألا يظن أحد أنه إذا فات من عمره أربعون سنة أنه قد مضى به قطار العمر؛ فقد يكون أمامك خطوات يمكن أن تحدث فيها تغييرات وإنجازات عظيمة في حياتك؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سن الأربعين بدأ قيادة الدنيا بكاملها، فينبغي لكل من وصل إلى هذه السن أن يراجع نفسه ، وينظر ماذا فعل في المدة التي سبقت من عمره؟ وماذا هو فاعل في المرحلة المتبقية؟ مع العلم أن الفترة المتبقية قد تحمل فيها من الخير والصلاح للنفس وللمجتمع وللأرض بكاملها أضعاف أضعاف ما حملته الفترة السابقة؛ لأن الإنسان قد اكتمل عقله، وكثرت خبراته، وتعمَّقت رؤيته، وبذلك يمكن أن يُحدث أثرًا كبيرًا في الحياة الدنيا بعد هذه السن.

-    إنّ المدَّة التي سبقت البعثة، وهي مدة أربعين سنة كاملة، مدة كبيرة للغاية بالقياس إلى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 63 سنة) ؛ لأنه بذلك صارت مدَّة النبوة ثلاثًا وعشرين سنة فقط، وهذا يوضح لنا كيف أن الإنسان المسلم يمكن أن يحقق من الإنجازات الكبيرة والنافعة له ولأسرته ولمجتمعه بل وربما للأمة خلال سنوات قليل فلا يتحسف لانقضاء العمر دون إنجازات، وليشمر عن ساعد الجد والاجتهاد وليستعن يالله ولا يعجز وليعمل ويبذل فإن تحصل على الثمرة فبها ونعمت وإلا فإنه سيجدها مدخرة له يوم القيامة.
والآن ماذا لديكم عن الأربعين ؟
للتواصل: bawazeer8269@gmail.com

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي