الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
مازالت الأربعون تشدنا إليها شدا .. بعجائبها
دعنا نبدأ حديثا أولا عن كلمة الأندلس، فماذا تعني كلمة الأندلس؟
هذه التسمية قيل إنها مشتقة من اسم قارة أطلانتس الغارقة بجوارها في المحيط غربا أو أنها مشتقة من اسم قبائل “الوندال” الجرمانية التى غزت إسبانيا من الشمال في القرن الخامس الميلادي واستقرت في سهلها الجنوبي وأعطته اسمها “أندلوس”، ثم جاء المسلمون وعربوا هذه الكلمة إلى أندلس عام 711م. بعد أن دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير وضمّوها للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492.
وظلت كلمة أندلس تعني أراضي الدولة الإسلامية في شبه جزيرة إيبيريا. ففي بادئ الأمر أطلقت على شبه الجزيرة كلها على اعتبار أنها كانت على يد المسلمين، ثم أخذ مدلولها الجغرافي يقل شيئا فشيئا تبعا للوضع السياسي الذي كانت عليه الدولة الإسلامية في إسبانيا حتى صار إسم أندلس آخر قاصرا على مملكة غرناطة وهي آخر مملكة عربية إسلامية في جنوب شرق إسبانيا.
وما زالت كلمة “اندالوثيا” تطلق حاليا على المحافظات الجنوبية الإسبانية مثل غرناطة وإشبيلية وقرطبة ومالقة وغيرها.
الأندلس وشعر الشعراء:
في حديث عن شعر الوصف والطبيعة جاء في موقع الدرر السنية : " الإنْسانُ ابنُ طَبيعتِه ولِسانُ بيئتِه ووَحْيُ الحَياةِ الَّتي يَنقُلُ عنها ما اسْتَتَرَ، ويُتَرجِمُ عنها ما أضْمَرَتْ وأخْفَتْ، ولا سِيَّما إن كانَ هذا الإنْسانُ شاعِرًا؛ فإنَّه يَنقُلُ النَّاسَ إلى عَوالِمَ خَفيَّةٍ في حَياتِهم، يَنظُرونَ لها بعُيونِهم لكنَّهم لا يُبْصِرونَها بقُلوبِهم، يَرَونَ بيئتَهم ولكنْ لا يَفهَمونَ وَحْيَها ولا يَسْتنطِقونَ ساكِنَها، فيَأتي الشَّاعِرُ بقَصائِدَ تَنطِقُ بلِسانِ البيئةِ الَّتي هو مِنها، ويُفصِحُ لنا عن ضَميرِ الحَياةِ المَكْنونِ الَّذي يَفهَمُه ولا يَسْتَطيعُ أن يُتَرجِمَه إلَّا إنْسانٌ رَقيقُ القَلْبِ رَقراقٌ، مُرهَفُ الحِسِّ، غَضُّ المَشاعِرِ، واسِعُ الإدْراكِ.
ولقد ضَرَبَ الشُّعَراءُ الأنْدَلُسيُّونَ بسَهْمٍ نافِذٍ في شِعْرِ الوَصْفِ والطَّبيعةِ، فلم يَسْتطِعْ أحَدٌ أن يُجاريَهم في مِضْمارِ هذا الفَنِّ؛ وذلك لِما حَباهم اللهُ به مِن رُوحٍ تَشِفُّ عمَّا تَرى، ومَشاعِرَ مُرْهَفةٍ، ولِما حَبا اللهُ به بِلادَ الأنْدَلُسِ مِن جَمالِ الطَّبيعةِ وحُسْنِ المَنظَرِ ووَفْرةِ الخَيْراتِ، حتَّى اجْتَمَعَ في الأنْدَلُسِ طيبُ الدُّنْيا كلُّه، فوَسَمَها بعضُهم بجَنَّةِ الأرْضِ"
في بلاد الأندلس أربعون نهرا
"فبِلادُ الأنْدَلُسِ يَجْري فيها أرْبعونَ نَهْرًا، فَضْلًا عن الآبارِ والعُيونِ ومِياهِ الأمْطارِ الَّتي قَلَّما تَنقَطِعُ، فاجْتَمَعَ في الأنْدَلُسِ جَمالُ الطَّبيعةِ، وطيبُ التُّرْبةِ، وخِصْبُ الجِنانِ مِن البَرِّ والبَحْرِ والسَّهْلِ والوَعْرِ، ومِن حُقولٍ وبَساتينَ وحَدائِقَ ورَياحينَ، واعْتِدالِ المُناخِ في شَتَّى الفُصولِ. فكانَ ذلك سَبَبًا كَبيرًا في إثْراءِ عُقولِ الشُّعَراءِ بالمَعاني الجَديدةِ والصُّوَرِ الجَميلةِ والكَلِماتِ المُنَمَّقةِ، حتَّى صارَ الشُّعَراءُ الأنْدَلُسيُّونَ مِن أوَصْفِ النَّاسِ للطَّبيعةِ إنْ لم يكونوا أوْصَفَهم، ومِمَّا يُصوِّرُ ذلك قَوْلُ ابنِ خَفاجةَ:
يا أهْلَ أنْدَلُسٍ للهِ دَرُّكمُ
ماءٌ وظِلٌّ وأنْهارٌ وأشْجارُ
ما جَنَّةُ الخُلْدِ إلَّا في دِيارِكمُ
ولو تَخيَّرْتُ هذي كنْتُ أخْتارُ
لا تَحْسَبوا في غَدٍ أن تَدْخُلوا سَقَرًا
فليس تُدخَلُ بَعْدَ الجَنَّةِ النَّارُ
وقَوْلُ ابنِ سَفَرٍ المَرينيِّ:
في أرْضِ أنْدَلُسٍ تَلْتَذُّ نَعْماءُ
ولا يُفارِقُ فيها القَلْبَ سَرَّاءُ
وليس في غَيْرِها بالعَيْشِ مُنْتفَعٌ
ولا تَقومُ بحَقِّ الأُنْسِ صَهْباءُ
وأين يَعدِلُ عن أرْضٍ تَحُضُّ بها
على المُدامةِ أمْواهٌ وأفْياءُ
وكيف لا يُبْهِجُ الأبْصارَ رُؤْيتُها
وكلُّ رَوْضٍ بها في الوَشْيِ صَنْعاءُ
أنْهارُها فِضَّةٌ، والمِسْكُ تُرْبتُها
والخَزُّ رَوْضتُها، والدُّرُّ حَصْباءُ
وللهَواءِ بها لُطْفٌ يَرِقُّ بهِ
مَن لا يَرِقُّ، وتَبْدو مِنه أهْواءُ
ليس النَّسيمُ الَّذي يَهْفو بها سَحَرًا
ولا انْتِثارُ لآلي الطَّلِّ أنْداءُ
وإنَّما أرَجُ النَّدِّ اسْتَثارَ بها
في ماءِ وَرْدٍ فطابَتْ مِنه أرْجاءُ"
ينظر: ((نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب)) للتلمساني(1/209)
والآن ماذا بعد في جعبتكم عن الأربعين؟
للتواصل: bawazeer8269@gmail.com