الملتقى / معن حسين بي
ها هي شمس العام الدراسي تشرق من جديد بأزهى أشعتها، وأبهى مطارفها، لتعلن عودة أبنائنا الطلبة إلى مقاعد الدرس، وإني أجدني مطالبًا بتوجيه بعض التوصيات التي تهم شأنهم، لعل في مقدمتها إدراك الرسالة والوظيفة، فالفرق بين الفعل المعتاد ( الروتيني ) والإدراك لا يختلف عن الفرق بين النظر والبصيرة.
فكم من طالب عرف أنه سيدخل العام الدراسي ليدرس، لكن قلما نجد من يدرك عمق هذه الوظيفة ومقوماتها ومتطلباتها ليرعاها حق رعايتها.
فلا تكن مجرد مؤدّ استجاب للحدث على أنه فعل متكرر روتيني في حياته، بل عليك أن تستوعب ما لدورك العظيم في إرضاء الديان، وخدمة الإنسان، وبناء الأوطان، فتنبري -من هذا المنطلق- إلى تحقيق تلك الغايات بإخلاص وحس مرهف بالمسؤولية.
وليعي أبناؤنا الطلبة أنه فعل وبذل وليس بالهزل، فالعام الدراسي ليس أيامًا تمضيها باللهو واللعب والتسلية الصرفة فحسب، وإن كانت المتعة إحدى ما نقرن العلم به ونوجهه إليه. ثمة منحى آخر يقتضيه منا طلب العلم، وهو التعامل بجدية وتضحية وسعي لا يفتر طوال العام، وإلا فلن يكون جنيُنا من عامنا سوى الهباء المنثور.
ونبراس ذلك هو أن يعد الطالب وقته رأسماله، حيث يكون استثمار الوقت في حسن التعلم رصيده الأغلى الذي لا ينبغي أن يفرط به؛ ولهذا فهو أحوج ما يكون إلى وضع خطة ينظم بها حياته، ويغني بها معارفه؛ ليكون في عداد المتفوقين البارزين.
قسّم وقتك على نشاطاتك وواجباتك الدرسية، وإياك والتأجيل والتسويف، أو الإهمال والتقصير، حينها ستتعرض لتراكم المهام، وعدم اللحاق بالركب فيما بعد، فتندم ولات ساعة مندم.
ومما يحدو بنا الإشارة إليه هو ( اختيار الصديق ) فالمرء بصاحبه يُعرف، وقد صدق من قال: ( قل لي مَن خليلك أقل لك مَن أنت ).
يجب على أبنائنا الطلبة إيلاء هذا الأمر فائق اهتمامهم؛ لأنه قد يرتقي بهم إلى القمة، أو يهوي بهم إلى الهاوية، فليحسنوا اختيار رفاق الدرب وفقًا للعقيدة والأخلاق وحسن الشمائل، لا على أي أساس آخر وإن بدا برّاقًا.
كما على الطالب أن يحسن تقييم العلوم والمواد التي يدرسها، فيراها كلها نافعة وليست بالضائعة، فكلنا يعلم أنه قد أدرجت في المناهج الدراسية في السنوات الأخيرة بعض المواد الجديدة التي من شأنها أن تصقل وتنوع معارف طلابنا، ومدخراتهم الثقافية، وشخصياتهم المعرفية، فلا يهملنّ طلابنا هذه المواد، لأنه شيئًا فشيئًا وأنت في مدارج الحياة ستكتشف أنك بحاجة إليها في شؤونك العملية وإن كان ذلك بقدر معين، فكن على يقين أن هذه المواد ليست علمًا لا ينفع.
وإن كان غرس القيم ومحاسن الأخلاق يشكل أسمى المرامي في طلب العلم، كما قال الشاعر:
العلم إن لم تكتنفه شمائل
تغنيه كان مطية الإخفاق
فإني أخص الصدق بالذكر؛ لأنه المشكاة والعلامة الفارقة في مسعى طالب العالم خاصة، فكن صادقًا مع نفسك ومع الله في طلب العلم، وكن صادقًا في التعامل مع أقرانك، وكن صادقًا في احترام المعلم والكادر الإداري في المدرسة، وكن صادقًا في القيام بواجباتك، وكن صادقًا في اختباراتك، فعندها ستكون الحصاد اليانع الذي تنتظره أمتك.
أيضًا حري بنا أن نؤكد على مكانة المعلم، فالمعلم شعلة الحاضر ودليل المستقبل، فالله الله في المعلم! إنه النور الساطع والمورد الواسع، فلننهل من مَعين علمه، ولنبالغ في احترامه وتوقيره، ولنحرص على اتباع توجيهاته وإرشاده، ولنحث الخطا في الالتزام بنصحه؛ لأنه دليلنا المخلص إلى الرقي والسمو.
ومن أبرز ما نعكف على تبيان أهميته، ضرورة أن ينظر الطالب إلى النظام المدرسي على أنه ليس ثقلًا وأعباء، وإنما مسلك وارتقاء، فاعلموا أبنائي الطلبة أن اتباع النظام المدرسي يسهم في تكوينكم الشخصي ومسلككم الحياتي، فهو يبني فيكم الالتزام ويجبلكم على الجد و الاهتمام، ومعلوم أن النظام ضد الفوضى، كما أنه معلوم ما لعبثية الفوضى من آفات في حياتنا، فهي تحطم الأهداف، وتزهق العلاقات، وتكرس الفشل والخيبة.
فلا تتأخر عن موعد بدء الدوام والطابور الصباحي، ولا تمل وتتضجر من اتباع التوجيهات الإدارية المدرسية عامة، والتزم بالوقت المخصص للفسحة، وبدايات الحصص وغيرها، وقم بواجباتك الموكلة إليك على أكمل وجه وأنت ممتن مبتسم، وتعاون مع الجميع في سبيل ذلك.
لا يسعني في النهاية إلا أن أدعو لأبنائي الطلبة بالسداد والفلاح، وأشد على أياديهم ليكونوا قرة عين لأسرهم ومجتمعاتهم وأوطاونهم.