الملتقى / شوقي سالم باوزير
انتهينا من أربعين محطة عن الأربعين .. وربما ظهر لأحدنا شيء من أسرار هذا ( 40)!!!!
ونكمل في هذه الزوائد عن الأربعين فوق المحطات الأربعين :
الزائدة (4)
جاء في شرح منظومة الآداب الدمشقي (٦٠٧) : عندما خسر ابن سيرين (التابعي الجليل مُعَبِّر الرؤى) ثروته عاش في فقر .
سأله الناس :
لمَ أصبح حالك هكذا ؟
قال: هذا ذنب انتظرتُ عقوبته (أربعين) عاماً
حينما قلتُ لرجلٍ : يا فقير .
وفي رواية: قال ابن سيرين حين ثَقُلَتْ عليه ديونُه: أتعرفون ما الذنبُ الذي أَلْحَقَ بي هذه الديون؟
قالوا: لا!
قال: قلتُ لرجل «يا مفلس».
الشماتة بالمصائب والابتلاءات التي تقع للغير –ومنها الحوادث والموت-؛ ليس خُلُقًا إنسانيًا ولا دينيًا. والشامت بالموت سيموت كما مات غيره، والله تعالى قال عندما شمت الكافرون بالمسلمين في غزوة أحد: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس} [سورة آل عمران: الآية
ألا تلحظون أن الشامت بأحد، أو الساخر من عيبه، سرعان ما يبتليه الله بعيب مقارِب يصيبه، أو يصيب أحب أحبابه إليه!
نصوص دينية تؤكد ذلك، وتجارب حياة تبصم على صحته.
قال ﷺ: «لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» رواه الترمذي.
وقال أيضاً: «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ» رواه الترمذي.
أما تجارب الحياة فحَدِّثْ ولا حَرَج
كل منا يعرف قصصاً عجيبة في هذا الشأن، وكم من شامتٍ بفساد أبناء أحد، ثم رزقه الله أبناءً أكثر فسادا، وكم من ساخرة من سوء حظ امرأة، ثم صارت أتعس منها. وكم من مستهزءٍ بأعرج أصابه الله بالعرج بعد زمن! وكم من شامتٍ بأعور أصابه الله بالعمى بعد زمن! وكم من شامت بعقم إنسان، أصبح عقيما بعد زمن!!
قرأت أن شخصا قال : عَيّرتُ قريباً لي بعيب، فما مر زمان إلا وأنا واقع في مثل عيبه.
وقال: عيّرني أحدهم بتساهلي في العبادات، وبجرأتي في ممازحة النساء، وسرعان ما علمتُ أنه واقع في أشد مما عَيّرني به من خزايا وكبائر.
والشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ؛ قال أكْثَمُ بن صَيْفي التميمي، أي لا يفرح بنكبة الإنسان إلا مَنْ لَؤُم أصله، وقال:
إذَا ما الدَّهْرُ جَرَّ على أُنَاسٍ ... كَلاَ كِلَهُ أنَاخَ بآخَرِينَا
فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أفِيقُوا ... سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
وجاء في حديث أيوب عليه السلام أنه لما خرج من البلاء الذي كان فيه قيل له: أي شيء كان أشَدَّ عليك مِن جملة ما مَرَّ بك؟
قال: شماتة الأعداء.
“ وجاء في الأقوال: إيَّاك أنْ تشمت، فليس بينكَ وبين المُبتلى سِوى رَحْمَة الله.” وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ. رواه البخاري
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول : (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من غلبةِ الدَّينِ ، و غَلَبَةِ العدِّو ، و شماتَةِ الأعداءِ) صحيح الجامع
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تُظهِرِ الشَّماتَةَ لأخيكَ، فيَرْحَمْهُ اللهُ ويَبْتَليكَ) حسنه الترمذي.
وحول حديث وَاثِلةَ بنِ الأسْقَعِ رضي الله عنه أنه قالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَة لأَخِيكَ فَيرْحمْهُ اللَّهُ وَيبتَلِيكَ رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: هذا فيه بيان التحذير من الشماتة بالإخوان، وأن ذلك خطر عظيم قد يفضي إلى أن يبتلى الشامت بما وصف به غيره، والمؤمن أخو المؤمن يسره ما يسره ويحزنه ما يحزنه، فلا يليق به أن يشمت بأخيه يعني يظهر الفرح بعيبه ونقصه، والشماتة بالإخوان يعني إظهار عيوبهم ونقصهم فرحا بذلك وتلذذا بذلك .. انتقام أو تبجح، فالحاصل أنه لا ينبغي على أي قصد إظهار الشماتة بأخيك، بل يسأل الله له العافية سواء كانت شماتة بنقص في دينه أو عيب في خلقه من عور أو عمى أو غير ذلك أو نقص في دينه من الفسق والمعاصي، بل ينصحه يظهر الشماتة به، ومن هذا الباب تحريم الغيبة والنميمة والسخرية واللمز كلها من هذا الباب، والله يقول جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] فالأخ يفرح لأخيه بالخير ولا يشمت به الأعداء ولا يظهر عيوبه، ويقول جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19] وفي الحديث: لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك، وفي اللفظ الآخر: فيعافيه الله ويبتليك ولكن يدعو له بالعافية، يدعو له بالستر إن كان مرضا، يدعو له بالعافية إن كان نقصا في دينه، يدعو له بالتوفيق والهداية، وهكذا، ولا يشمت به الأعداء، وفق الله الجميع.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التنقص من الآخرين لو كان مازحا؟
فأجاب الشيخ: ولو مازحا، ما يصلح المزح بعيب أخيه.
وختاما دع الشماتة في واد وكن في واد آخر
للتواصل
Bawazeer8269@gmail.com