الملتقى / شوقي سالم باوزير
الأربعون و التغيرات النفسية والاجتماعية في الإنسان
قلت سابقا : "لا يمكن أن نسبغ على العدد ( أربعين) بعدًا دينيا بأي حال من الأحوال .. ولكن العدد ( أربعين) يشكل ظاهرة ما؛ الله أعلم بمراده منها" .
واليوم نحن مع الوقفة الثامنة والعشرين مع هذا الرقم :
رصد علماء النفس مظاهر كثيرة لمرحلة بلوغ الــ 40 في حياة من يمر بها ويجدون قاسما مشتركا بين الرجال الذين يمرون بتلك الأزمة . ومن ذلك : اهتمام الرجال بمظهرهم وحسن اختيار وارتداء الملابس، والعناية بالتطيب والتأنق بما لم يعهد عليهم من قبل .
أما التغيرات الاجتماعية ففي مرحلة بلوغ الــ 40 يحدث تغيرا جذريا في الاهتمامات والميول والأفكار. وكذلك الميل إلى الانعزال عن الأسرة وقضاء الأوقات الطويلة في المحادثات على الإنترنت أو في الأحاديث الهاتفية الغامضة ،وحب الخروج من المنزل وعدم الاهتمام بالمسئوليات المنزلية . وعلى مستوى الأسرة تكثر انتقاد الرجل لزوجته لطريقة ملبسها او لملل حديثها أو عدم التفرغ له ولمراعاة متطلباته واحتياجاته وربما ينفعل انفعالات غير مبررة للتخلص من القيد الأسري .
وعلى المستوى الشخصي يظهر على الإنسان التأفف من كل شئ ويسخط على تاريخه ويشعر بعدم الإنجاز في أي شئ مضى في محيط العمل أو محيط الأسرة .فتجده يكرر عبارات أنه فاشل أو غير سعيد في حياته العملية وأنه لم يحقق أحلامه ولا طموحاته ولا آماله التي كان يسعى للوصول اليها كثيرا ، ويقترن ذلك مع شعور ورد فعل سلبي ، ويحدث كل ذلك فجأة بلا مقدمات !!!
بعد هذه التغيرات في هذه المرحلة علينا أن ندرك طبيعة هذه المرحلة التي يمر بها الرجل ، وربما نستطيع وصفها (بالأزمة) ، حتى وإن بدا لنا كلامه منطقيا أو كان مقنعا في طرح أفكاره. ولك أن تتوقع وتحذر من أنّ هذا الرجل في هذه المرحلة – إلا من رحم الله - ربما يكون قد بدأ بالفعل في بعض التصرفات الطائشة التي يظن أنها ستخرجه من معاناته، مثل البحث عن زوجة صغيرة، لمن يريد أن يصبغ تلك الممارسات بما هو مباح وجائز، أو إقامة علاقات غير الشرعية لمن لا يبالون بالحلال والحرام، أو بتغير السلوك عامة للنقيض، بما لا يتناسب مع شخصيته ومكانته وطباعه . وهناك عوامل تساعد في تعميق هذا الإحساس عند الرجل في تلك (الأزمة) منها :
1- ما يتعلق بأوان قطف الثمار :
ففي الغالب تجد أن رجل الــ 40 قد عمل لفترة طويلة في شبابه في عمل خاص سواء كان تجاريا أو مهنيا أو في عمل حكومي. ونجد أنه قد مرت على أغلبهم فترة المراهقة وهم مجتهدون في الدراسة أو العمل. ونجدهم قد وصلوا إلى مرحلة قطف الثمار؛ وعندها يراجع الواحد منهم نفسه ويتذكر مراداته ورغباته السابقة، وتلح عليه، ويشعر بأن العمر قد مرّ دون أن يحققها، ويتخيل أن السعادة كلها فيما فقد لا فيما حقق .
2- انخفاض هرمون الذكورة (سبب طبي)
تذكر الأبحاث العلمية أن خمسة بالمائة فقط من الرجال يبحثون عن علاج لأعراض مرضية معينة ترتبط بهذه المرحلة العمرية .
3-غياب الأحبة ومفارقتهم (سب اجتماعي)
وهناك جانب اجتماعي أيضا وهو أن الرجل في سن الــ 40 معرض لفقد عدد من المقربين إلى قلبه سواء بالموت أو السفر أو غير ذلك كالوالدين والأصدقاء الذين يشكلون جانبا تفريغا نفسيا له أهميته البالغة في إعادة التوازن النفسي إليهم ويؤثر فقدهم سلبا عليه .
4- وجود الفراغ لدى الرجل (سب اجتماعي)
أما أهم العوامل التي تدفع الرجل للوقوع في تلك الأزمة هو الفراغ. فمن الطبيعي في حياة الناس أن الإنسان كلما زاد عمره قلت ساعات عمله؛ فيزداد وقت الفراغ الذي يحتاج إلى ملئه بشئ نافع ، وإلا مُلئ بعكس ذلك ، كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ".
5-الشعور بعدم الأهمية (سبب نفسي)
قد يشعر رجل الــ 40 كذلك بعدم الأهمية في الأسرة أو بعدم الحاجة إليه إلا كمُوَرد للمال فقط وخصوصا من أبنائه الذين صاروا في مرحلة الشباب عندما يشق كل منهم طريقه بنفسه سواء في الدراسة أو العمل أو الزواج ناهجا نفس السبيل الحتمي لكل المخلوقات , فيشعر رجل الــ 40 بحاجته للتجديد وحاجته لذلك الشعور الطيب الذي يشعر به كل رجل مسئول وله رعية تنتظره وتهتم بوجوده وغيابه ولذا يحاول بطرق كثيرة أن يثبت لنفسه ولمن حوله أنه ما زال مرغوبا فإن لم يكون في دائرة أسرته فليكن في أي مكان خارج هذه الأسرة.
وهنا نشير إلى دور الزوجة في التخفيف من هذه الأزمة ، حيث تستطيع الزوجة المتيقظة أن تلتقط بسهولة تلك التغيرات ، وتكون أول من يشعر بها ، وتعمل على تخفيفها أو معالجتها والمساعدة في تجاوزها بسلام.
ويختلف الرجل في الــ 40 عن المرأة في المرحلة نفسها؛ فمعظم النساء كنتيجة طبيعية للحمل المتكرر والإرضاع وتحمل مسئولية البيت والذي يصاحبهنّ في معظم الأحيان ضيق مادي في بدايات الزواج، فتتغير هيئتهن العامة ويقل اهتمامهن بمظهرهن، فتبدو الواحدة منهن منهكة القوى ، وكأنها أشرفت على الستين. بينما معظم الرجال يزدادون في هذه الفترة شبابا ونضرة، فيشعر الرجل بانه في حاجة الى تغييرات جذرية في حياته، وأول ما يلح عليه في تلك الفترة، أن الزوجة قد تغيرت، ولم تعد هي الزوجة التي تزوجها منذ زمن، ويعود ثانية ليفكر بنفس الطريقة التي كان يفكر بها أثناء مرحلة مراهقته .
وللحديث بقية إن شاء الله
فماذا لديك عن سر الأربعين؟ للتواصل: BAWAZEER8269@GMAIL.COM