الملتقى / منى اللهو
عندنا تطوعت وأنا في عمر الرابعة والعشرين من عمري برعاية إخوتي بعد وفاه أمي وأبي لم أكن أعي مفهوم كلمة التطوع ولا تعمدت أن أبحث أو أغرق في معني هذي المفردة' بل كنت قد أخذت على نفسي ذلك وعاهدت والدتي قبل وفاتها برعاية إخوتي وتربيتهم ،، نعم ،، ولما لا أقوم بواجبي فأنا الأخت الكبيرة وأعرف أن هذا الموقع يخولني القيام بهذا الواجب براً بوالدي وأن أكمل مسيرتهم برعاية الصغار إلى أن يصلوا لبر الأمان.
وفجأه وجدت نفسي أمام مسئولية جسيمة ومعركة واجب علي خوضها إن كنت سأتمم المسيرة وأبر بالعهد والقسم.
تغيرت الظروف ولم يعد هناك رفاهية الإجازة ولا السهر ولا وقت مستقطع للترفيه
ومررت بمراحل ضعف وسقوط وإحساس بالعجز لكن في كل سقطه كنت أذكر نفسي بالعهد وأنني من اخترت التطوع فلا وقت للتراجع ،، لا شيء سوي الاستمرار والصبر ،، وجدت نفسي مع مرور السنوات أستمتع بلياقة نفسية لمواجهة الصدمات والمشاكل.
أسعدني هذا الإحساس ووجدت نفسي أني استطعت تطويع عقلي وتفكيري ووجداني لهذه المسؤولية وبعد مرور فترة من الزمن استيقظت على ابتلاء من جديد واستوعبت أن التطوع لرعاية إخوة أيتام أهون من الابتلاء بمرض أطفالي.
كان الله قد رزقني بأربعة أطفال ثلاثة أولاد وبنت
تم تشخيص ثلاثة منهم (ولدين وبنت) في نفس العام بمرض سرطان الدم.
ماذا كان هذا الشعور الذي أغرقني...؟ كأن سكين حادة قد غرزت في قلبي. بل أعظم
شعور صعب وثقيل وإحساس بالخوف ، بالحيرة، بالذهول والصدمة
وكان السؤال الذي لايفارقني ( لماذا )...؟؟؟؟
الا يكفي ابتلاء واحد...؟؟
لماذا الآن...؟؟
أنا ما زلت أحتاج وقت لرعاية إخوتي الأيتام.
أحتاج وقت لرعاية ابي الشيخ المسن.
أحتاج وقت لرعاية منزلي.
كيف حدث هذا...؟؟
تمنيت أن يتوقف الزمن هنا فقط.
إحساس غريب راودني شعرت فيه كأن أحدا سحبني إلى حافة جبل ورمى بي إلى الأسفل إلى المجهول كيف السبيل الى النجاة. والهاويو سحيقة ومخيفة ومظلمة.
وفي خضم كل هذا شعرت أن الله قد أعطاني على قدر ضعفي قوة وكأنه قد أبرز لي جناحان من رحمة الله
استعنت بالله وشددت يدي وقلبي على يقيني وقلت في نفسي لقد تطوعتي لرعاية إخوتك فلن يخذلك الله في رعايه أبناءك، وجدت نفسي أنهض وألملم شتات نفسي وأركض أمام مسؤولية الصغار المرضى وأرعاهم،،،
مرت السنوات العشرون في الابتلاء من عمر حياتي الزوجية الإثنان والثلاثون. وانتهت كل هذه المرحله، أولادي توفي منهم إثنان وعاش إثنان. إخوتي كبروا وشقوا طريقهم في الحياة وأصبح لكل منهم أسرة وأولاد. وصارت كلمة لماذا التي لا تفارقني كل هذه السنوات وترقص امامي بالإجابة. وجاء الجواب
(تعلمي الاستسلام) نعم أدبني ربي وعلمني الاستسلام لقضاء الله والرضا به.
بعد ذلك استوعبت معنى كلمة التطوع وفهمت أن سعادة روحي رغم قساوة التجربة كانت بالعطاء. عطاء الاهتمام، عطاء الوقت ، عطاء الرعاية.
وجدت أن عطاء الروح أثمن من عطاء اليد والبدن.
وجدت نفسي وقد اعتدت على هذه القيمة التي أنقذتني من دائرة الاكتئاب والحزن وتأكدت ان التطوع حياة من نوع آخر
وان التطوع تطلّع لحياة أفضل وروح أسعد ونفس أهدأ.
أنا الآن في الثامنة والخمسين من عمري وما زلت أعمل في مجال التطوع وصرت أبحث عن دروب العطاء وأوجد الخير للغير لوجه الله.
تطوعت فتطلّعت لبناء روحي التي فقدت فلذات الأكباد وفقد الأم والأب والزوج فوالله ما وجدت سعادة كسعادة العطاء …