الملتقى / عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
الشعبي: دخلت على عبدالملك بن مروان في علته التي مات فيها، فقلت: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟
فقال: أصبحت كما قال عمرو بن قميئة :
كأني وقد جاوزت تسعين حجة
خلعت بها عني عنان لجامي
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمى وليس برام
فلو أنها نبل إذاً لاتقيتها
ولكنما أرمى بغير سهام
وأهلكني تأميل يوم وليلة
وتأميل عام بعد ذاك وعام
فقلت: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كما قال لبيد، وقد بلغ سبعاً وسبعين حجة:
باتت تشكي إلي النفس مجهشة
وقد حملتك سبعاً بعد سبيعناً
فإن تزادي ثلاثاً تبلغي أملاً
وفي الثلاث وفاء للثمانينا
فلما بلغ سبعاً وسبعين سنة قال:
كأني وقد جاوزت تسعين حجة
خلعت بها عن منكبي ردائيا
فلما بلغ مائة سنة قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وسؤال هذا الخلق كيف لبيد
فعاش حتى بلغ عشراً ومائة سنة فقال:
أليس ورائي إن تراخت منيتي
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي خلت
أدب كأني كلما قمت راكع
فلما بلغ الثلاثين ومائة سنة، وقد حضرته الوفاة قال:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
فإن حان يوماً أن يموت أبوكما
فلا تخمشا وجهاً ولا تحلقا الشعر
وقولا هو المرء الذي لا صديقه
أضاع ولا خان الخليل ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
قال الشعبي: فتبسم عبد الملك. وقال: لقد قويت من نفسي بقولك يا عامر، وإني لأجد خفا وما بي من بأس،
وأمر لي بصلة. وقال لي: اجلس يا شعبي؛ فحدثني ما بينك وبين الليل.
فجلست فحدثته حتى أمسيت وخرجت من عنده، فما أصبحت حتى سمعت الواعية في داره.
الواعية يعني الناعية