((لماالمشاعر تكلّم فماذا تقول؟  

((لماالمشاعر تكلّم فماذا تقول؟  

  • الأحد 28 ديسمبر 2025
  • 11:55 AM


شيخه الدريبي 

الملتقى / السعوديه الشرقيه 

 

المشاعر عالمٌ خفيّ يسكن داخل الإنسان، لا يُرى بالعين ولا يُلمس باليد، لكنه يتحكّم في كثير من قراراته وتصرفاته. ولو كُتب لها أن تتكلّم، لكانت أكثر اللغات صدقًا، لأنها لا تعرف التزييف ولا تجيد التمثيل. فالمشاعر تظهر كما هي، سواء حاولنا إخفاءها أم لا، وتنعكس في نبرة الصوت، ونظرة العين، وصمتٍ يحمل أكثر مما تحمله الكلمات.لو تكلّمت المشاعر لقالت إن الإنسان لا يُقاس بقوة تحمّله، بل بقدرته على الاعتراف بما يشعر به. فالحزن ليس عيبًا يجب إنكاره، بل حالة إنسانية تعبّر عن الفقد أو الخيبة أو الإرهاق. والدموع ليست ضعفًا، بل وسيلة يفرّغ بها القلب ثقله. كما ستقول إن الفرح لا يعني غياب الألم، بل القدرة على رؤية الضوء رغم العتمة، والتمسّك بالأمل مهما كانت الظروف قاسية. ولوتحدّث المشاعر عن الحب، فتقول إنه ليس كلماتٍ تُقال ولا وعودًا تُقطع، بل شعورٌ يُترجم أفعالًا واهتمامًا وحضورًا صادقًا. فالحب الصامت أحيانًا أبلغ من ألف اعتراف، والشوق رسالة خفيّة يخبرنا فيها القلب أن هناك من ترك أثرًا لا يُمحى. كما ستعترف المشاعر بأن الخوف ليس جبنًا، بل غريزة تحمي الإنسان من التهور، وأن الغضب ليس شرًا مطلقًا، بل نداء داخلي يطلب العدالة أو التغييرولو تكلّمت المشاعر لنبّهت الإنسان إلى خطر تجاهلها أو قمعها، لأن ما لا يُقال لا يختفي، بل يتخفّى في الداخل، ويتحوّل مع الوقت إلى توتر نفسي أو قسوة في السلوك أو بُعدٍ عن الذات. ففهم المشاعر والتصالح معها يمنح الإنسان توازنًا داخليًا، ويجعله أقدر على التعامل مع نفسه ومع الآخرين بوعي ونضج.لو تكلّمت المشاعر لقالت: استمع إليّ قبل أن أتراكم، وافهمني قبل أن أُرهقك، واحتوِني قبل أن أتحوّل إلى ألم. فالمشاعر ليست عدوًا يجب محاربته، بل رسالة تحتاج إلى قراءة، وطريق يقود الإنسان إلى معرفة نفسه، وبناء سلامه الداخلي، والعيش بصدق مع ذاته ومع العالم من حوله ..

لو تكلّمت المشاعر، فماذا تقول المشاعر جزءٌ أصيل من تكوين الإنسان، وهي اللغة الأولى التي يعبّر بها القلب قبل أن يتعلّم اللسان الكلام. ولو قُدِّر للمشاعر أن تتكلّم، لما احتاج الإنسان إلى كثير من الشرح، لأن ما نشعر به غالبًا أصدق ممانقوله. فالمشاعر لا تُجامل، ولا تُخفي حقيقتها، بل تظهر كما هي، نقية أو متعبة، هادئة أو مضطربة.لو تكلّمت المشاعر لقالت إن الفرح ليس مجرد ابتسامة عابرة، بل حالة امتنان عميقة للحظة جميلة، وإن الحزن ليس ضعفًا، بل دليل على أن القلب كان حيًّا يومًا ما. لقالت إن الخوف رسالة تحذير، لا عيبًا يجب إنكاره، وإن الغضب صوتٌ داخلي يطلب الفهم قبل الحكم. فكل شعور، مهما بدا سلبيًا، يحمل معنى ودعوة للاهتمام.كما ستقول المشاعر إن تجاهلها لا يُلغي وجودها، بل يؤجل مواجهتها. فالمشاعر المكبوتة تتراكم في الداخل، وتظهر لاحقًا على شكل توتر أو قلق أو تعب نفسي. أما الإصغاء إليها وفهم أسبابها، فيمنح الإنسان وعيًا أعمق بنفسه وقدرة أكبر على التوازن. فالتصالح مع المشاعر هو الخطوة الأولى نحو السلام الداخلي. وفي النهاية، لو تكلّمت المشاعر لطلبت من الإنسان أن يكون صادقًا مع نفسه، رحيمًا بقلبه، وألا يخجل مما يشعر به. لأن المشاعر ليست عبئًا، بل بوصلة ترشدنا إلى ما نحتاجه حقًا، وتذكّرنا دائمًا بأننا بشر نشعر، ونتعلّم، وننمو بأمل فالأمل يقول بثبات أنا آخر ما يغادر الإنسان، وأول ما يعيده للحياة. قد أنحني تحت التعب، لكنني لا أنكسر بي تبدأ المحاولات من جديد، وبدوني يصبح الغد نسخة باهتة من الأمس ..

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي