الملتقى / رياض العوام
كان في الحارة طفلٌ صغير يُدعى سالم، يعيش وحدته رغم امتلاكِه عائلةً كاملة. فالأب يعمل دوامين ليلاً ونهارًا ليؤمّن لقمة العيش، والأم منشغلة طوال اليوم بأعمال المنزل وإخوته الصغار. لم يجد سالم من يلتفت لقلبه الصغير أو يسأل عن يومه المدرسي، فاعتاد اللعب مع أبناء الجيران بعد المدرسة وفي عطلة نهاية الأسبوع.
وفي الجهة المقابلة من منزله، كان هناك جارٌ طيب يأخذ أبناءه في كل عطلة للحدائق ومدينة الألعاب، يضحكون ويعودون محمّلين بالهدايا والحكايات. وعند خروجهم كان الجار ينادي أبناءه بحب واهتمام:
“يلا يا أولاد.. هيا للتمشية!”
يُسرع الصغار إليه بفرح…
إلا سالم، يجلس في زاوية الحارة يراقبهم يبتعدون عنه شيئًا فشيئًا…
ويبتعد معهم الفرح من قلبه.
كانت الغيرة تنمو في داخله يومًا بعد يوم… غيرة طفلٍ يتمنى فقط أن تُمسك يده للخروج، أو يُقال له: جهّز نفسك يا بطل!
وذات مساء، قال ابن الجار بسذاجة طفولية:
“غدًا سنذهب للتمشية… وأنت كالعادة ستجلس وحدك! والدك لا يخرجك!”
كلماتٌ كالسهم اخترقت قلب سالم…
لم ينم تلك الليلة، ظل يفكر ويتألّم.
ومع اشتعال نار الغيرة… اتخذ قرارًا أعمى.
خرج متسللًا نحو سيارة الجار، وأحدث ثقوبًا في كفراتها، ظنًّا منه أن هذا سيمنع خروجهم… وسيبقى الجميع مثله.
وفي الصباح… اكتشف الجار ما حدث، وراجع كاميرات المنزل، فظهر سالم… الطفل الذي لم يعرف سوى الحزن والحسرة.
استدعاه الجار بلطف وسأله:
“يا بني… لماذا فعلت هذا؟”
انفجر سالم بالبكاء… وقال بصوتٍ مكسور:
“أنت تأخذ أصدقائي عني… وأنا أجلس وحيدًا…
لا أحد يخرجني… لا أحد يهتم بي… حسّيت بالغيرة… وأتمنى لو والدي يفرح بي مثلك!”
سكت الجار طويلاً… شعر بخنجر الندم.
لم يكن يعلم أن اللطف الذي منح أبناءه إياه
ولّد جرحًا في قلب طفل آخر.
اقترب منه، حضنه بقوة، ومسح دموعه:
“من اليوم… أنت مثل أبنائي.
سأهتم بك، وأخرجك معنا، ولكن… نتفق أن لا نؤذي أحدًا مهما كان السبب.”
أومأ سالم برأسه وابتسم لأول مرة منذ زمن…
ابتسامة طفل وجد أخيرًا من يشعر به.
⸻
العبرة:
ليست الغيرة صفة سيئة دائمًا… أحيانًا هي نداء قلبٍ يبحث عن حبٍّ غائب.
كل طفل يحتاج لمن يسمع صمته قبل كلماته.