الملتقى / رياض العوام
كانت تُسمّى “أم الحياة”، لا لأنّها أنجبت أبناءها فقط، بل لأنّها كانت النور الذي أنار لهم دروب العتمة.
كانت تقوم مع الفجر، تمدّ لهم الضوء من تعبها، وتغزل لهم الأمل بخيوط صبرها.
تُطفئ جوعهم إن جاعت، وتدفئهم إن بردت،
تسهر على مرضهم، وتخفي ألمها كأنّه لا يعنيها.
ومع مرور الأيام، بدأت شمعتها تذوب ببطء.
كل ضحكةٍ من أبنائها كانت تسرق من عمرها يومًا، لكنها لم تبالِ،
فهي تعرف أن النور لا يعيش إلا ليُضيء غيره.
كبر أبناؤها، وحققوا أحلامهم واحدًا تلو الآخر،
بينما كانت هي تبهت، كقمرٍ وهب نوره للغيم ورحل.
وفي مساءٍ هادئ، جلست أمام نافذتها،
نظرت إلى السماء وقالت بصوتٍ خافت:
“يا رب، إن كان لي عمرٌ جديد، فاجعله في سعادة عيالي.”
ثم أغمضت عينيها، ورحلت،
لكنهم حين أطفأوا أنوار البيت في تلك الليلة،
أضاء المكان بنورٍ خفيف لا يعرفون مصدره…
كان نورها، ما زال يحرسهم من بعيد.