الملتقى / شيخة سالم
في العلاقات، لا شيء أشدّ إيلامًا من الحب المغلف بالتحكّم، والعاطفة المسمومة بالسيطرة. ثمة أرواح لا تقوى على الحب؛ لا لأنها لا تعرفه، بل لأنها انشغلت عن دفئه بمحاولة الهيمنة على الآخرين.
هي الشخصية المسيطرة، التي تعتقد أن الحب يعني التملك، وأن القرب يستوجب التقييد، وأن الأمان لا يتحقق إلا إذا أُخضِع الطرف الآخر لنزواتها. تتغذى على الأوامر، وتتنفّس عبر توجيه الآخرين، فتتوهّم القوة، فيما الحقيقة أنها تعاني من هشاشة داخلية تخشاها، فتغلفها بالصرامة والعناد.
لا تطمئن إلا إذا رأت الطاعة، ولا تهدأ إلا إذا سُلِب القرار ممن تحب. تُكثر من التوجيه، وتقلّل من الثقة، وتخاف أن تُرى حقيقتها الهشة، فتلبس قناع القائد الذي لا يُعصى له أمر. لكنها، في العمق، تائهة في دوامة قلقٍ من أن تُرفض، أو تُخون، أو تُترك وحيدة، كما حدث ربما في طفولةٍ لم يُرمّم وجعها.
هي لا ترى الآخر ككائن حرّ، بل كمُلحق عاطفي يجب أن يسير في فلكها؛ فإن خرج عن المسار، شعرت بالخيانة. بينما هي لا تُبصر أن أجمل العلاقات هي تلك التي تقوم على الاحترام والحرية، لا على الإكراه والاحتواء القسري.
الناس يطيعون المسيطر صمتًا، ويجاملونه مجبرةً قلوبهم، لكنهم يتحيّنون الفرصة ليتحرروا، يرحلون محمّلين بجرح، وبقايا كرامة منتهكة، واحتقارٍ صامت لمن ظنّ أن بالهيمنة تُصان المحبة.
يا ليت من استبدّ، علم أن الحب لا يُفرض، وأن القلب لا يُروّض بالعصا، وأن القرب الحقيقي لا يكون بالقيد، بل بالثقة. الجدران التي يبنيها حول من يحب لا تحميه، بل تعزله، وتحوّل العلاقة إلى سجن أنيق.
فرفقًا بمن تحب، لا تجعله مرآة خوفك، ولا ضحية ضعفك المقنّع، فالحب إذا لم يكن حرًّا، لم يكن حبًّا؛ كان وهماً، وسراباً، وسُلطاناً زائفاً لا يطول بقاءه.