الملتقى / شوقي بن سالم باوزير
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها * فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
ولا تغفلْ عنِ الإحْسانِ فيها * فلا تدري السُّكونُ متى يكونُ
(البيتان من أبيات الحكمة المشهورة والمختلف في نسبتها لصاحبها؛ فقد نسبا للإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه المنسوب إليه (77). وعزاهما صاحب "غرز الخصائص" (303) لأبي الفرج ابن هند. وفي "محاضرات الأدباء" (1/221) دون عزو).
رمضان مدرسة الفرص (ج2):
شهر رمضان مدرسة بكامل فصولها, يتعلم الإنسان فيها في أيام معدودات ما يمكن أن تقدمه المدرسة النظامية وتعمِّقه في نفوس طلابها في سنوات.
مدرسة رمضان تثير فرصاً كبرى في حياة الإنسان وليست فرصة, وتجعله في خلال شهر واحد صفحةً بيضاء خالية من سواد الخطيئة ، وشجرة مثمرة بالحسنات, وتهبه – على كل أوزاره السابقة مهما كانت عظمتها –حياة جديدة وكتابًا أبيض وفرصة جديدة لملئه بما يحبه الله عز وجل ويرضاه.
ترى هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" البخاري, كتاب الإيمان, باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان, (38), مسلم,كتاب صلاة المسافرين وقصرها, باب الترغيب في قيام رمضان,(759).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
وفي قوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
إنك حين تتأمل في مدرسة الحياة كلِّها قد لا تظفر فيها أحياناً إلا ببضع فرصٍ مهما امتدت بك الحياة وطال بك الزمن ، وترى مفهومَ الفرصة في رمضان يلبَس أوسعَ صوره, ويخرج بهيجاً يتلقى الإنسان في كل طريق, ويهبه روحه ومعناه وأثره .. مشكلتنا الكبرى أننا لا نُحسن قراءة رمضان في أحيان كثيرة قراءة المتتبع للفرص ، المستثمر لها ، المشمِّر إليها ، الناظر لها بروح الإعجاب والانتظار, فتفوتنا الفرص لأجل ذلك, وتذهب من حياتنا ونحن لم نحتفِ بها احتفاءَ المحبين ، وتغادرنا دون أن نتلفَّت لها ، أو حتى نستشعر رحيلها من حياتنا .
يعلمنا رمضان أن نقرأ هذه الفرص بعين عُكَاشَة بن مِحْصَن وبروحه ومبادرته؛ حين دفعه استثمار هذا المفهوم لعناق الجنة يوم القيامة دون حساب ولا عقاب ، وقام غيره يودُّ اللحاقَ ويلهثُ من أجل الوصول فما وجد إلا عوارضَ الطريق . إننا ندرك أن مشكلة الفرصة أنها تأتي في لحاف العمل ، وتحاول أن تقدُم علينا وهي متدثرة به متعثرة في أعطافه ، فتأتي في حديث نبيك صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً ", وتطلب منَّا دقة الإخلاص لله تعالى ، وتأتي في ذات الثوب في قول نبينا صلى الله عليه وسلم: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً ", وثوب هذه الفرصة أن نقوم مع الإمام كل ليلة من حين ما يبدأ إلى أن ينصرف ، وفوات شيء من صلاة الإمام محفوفٌ بفوات الفرصة كلها؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " . ومحصلة قيام هذه الليالي كلها هي الفرصة التي أخبرنا بها نبينا" الترمذي, أبواب الصوم, باب ما جاء في قيام شهر رمضان, (806), النسائي, كتاب قيام الليل وتطوع النهار, باب قيام شهر رمضان, (1605), وصححه الألباني في "الإرواء" (447).
ماذا لديكم بعد من فرص في رمضان.. بلغنا الله وإياكم رمضان؟
للتواصل BAWAZEER8269@GMAIL.COM
إلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله