سابك.. 46 عاماً من الالتزام بالاستدامة وتطوير وسائلها

سابك.. 46 عاماً من الالتزام بالاستدامة وتطوير وسائلها

  • الجمعة 19 أبريل 2024
  • 10:31 PM

 

 

 

الملتقى / عبدالمحسن حدادي

 

رغم الاتجاه المتصاعد حديثاً للحديث عن (الاستدامة) في أروقة الأعمال والصناعة، إلا أن هذا المفهوم كان معروفاً لدى (سابك) منذ تأسيسها قبل ستة وأربعين عاماً؛ حيث قامت الشركة على فكرة الاستدامة من خلال نهج مسؤول يتبنى إعادة الاستفادة من المواد التي كانت تحرق وتهدر في الهواء، الأمر الذي تجاوز مجرد حماية البيئة إلى توظيف هذا المبدأ في خلق قيمة اقتصادية أيضاً.

وكما كانت الاستدامة أساساً لفكرة إنشاء (سابك)، فقد كانت كذلك جزءاً لا يتجزأ من صميم أعمالها، حيث حرصت الشركة منذ البداية على تطبيق نهج شامل للاستدامة من خلال تشييد مجمعاتها الصناعية وفق أحدث التقنيات العالمية في المحافظة على الصحة والسلامة البيئية. كما دأبت (سابك) على ضمان كفاءة استهلاك الموارد، وتفعيل مسارات الاقتصاد الدائري، والطاقة المتجددة، والابتكار؛ وذلك عبر آليات فعالة، تضمن المحافظة على قدرة متنامية لتحقيق منجزات حقيقية في الاستدامة.

وقد عززت (سابك) مسيرتها على هذا الطريق حين وضعت استراتيجية الاستدامة الخاصة بها في عام 2009م ، فضلًا عن البدء ببرنامج استدامة متكامل يتطلع إلى مستقبل واعد ومستدام، بعد ذلك بعامين، أصدرت الشركة تقرير الاستدامة الخاص بها متضمنًا أهدافها الطموحة بحلول عام 2025م، بما في ذلك الحد من تأثير عملياتها على البيئة مع تضمين الاستدامة عبر سلسلة القيمة في أعمالها، والتي تشمل الجوانب المختلفة لكفاءة الطاقة وغازات الاحتباس الحراري والمياه والمواد.

ومن منطلق إدراك الشركة لما يمثله نهج الاستدامة من أثر مباشر على تحسين واقع ومستقبل البيئة، وهو الأمر الذي يتطلب اتخاذ خطوات عملية لإعادة تشكيل نماذج الأعمال واستحداث التجارب الملهمة، أنشأت (سابك) في عام 2016م أكبر مصنع في العالم لجمع وتنقية ثاني أكسيد الكربون في إطار شركة  (المتحدة) التابعة لها بمدينة الجبيل، الذي يمكنه معالجة حوالي 500000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويًا وتحويلها إلى مواد لقيم لعمليات صناعية متعددة.

تواصلت توجهات (سابك) الاستراتيجية للاستدامة في عام 2018م الذي شهد الإعلان عن (خريطة طريق سابك) لأهداف التنمية المستدامة، بما يتسق مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الرامية إلى القضاء على الفقر والعناية بسلامة كوكب الأرض صوناً لمستقبل الإنسان، فيما شهد العام 2019م انضمام الشركة كعضو مؤسس في (تحالف القضاء على النفايات البلاستيكية)، وإطلاقها لمبادرتها النوعية (تروسيركل™)، التي تعد محركاً للمنتجات المستدامة و تتضمن حلولًا جديدة ومبتكرة لتمكين الاقتصاد الدائري وإعادة تدوير واستخدام البلاستيك المستعمل ومنع تحوله إلى نفايات.

كان لهذه الخطوات تأثيرها المتواكب مع التحول الذي شهده قطاع الصناعة العالمي في المضي قدماً نحو اعتماد معايير بيئية جديدة في مختلف العمليات الصناعية، حيث أصبحت (سابك) من أبرز الشركات التي تساعد المصنّعين على تبني عنصر الاستدامة في منتجاتهم، وهو ما مكنهم من دخول أسواق جديدة ناشئة ينضوي تحتها قطاع واسع من الزبائن والمستثمرين، لاسيما في ظل التشريعات الصناعية والتجارية الهادفة لتعزيز ممارسات الاستدامة ومضاعفة أثرها عبر سلسلة القيمة العالمية.

تميزت مسيرة (سابك) في الاستدامة بوضوح الرؤية والاعتماد على أسس علمية وعملية وهو ما جعلها في حالة متجددة من التحرك على شتى المستويات، ففي العام 2021م مثلاً، ركزت (سابك) مساعيها حول إعداد (خطة الحياد الكربوني) الخاصة بها والإعلان عنها؛ لترسم استراتيجيتها لتقليص انبعاثات الكربون من عملياتها بحلول عام 2050م اتفاقًا مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ. كما كثفت الشركة جهودها في الاقتصاد الدائري عبر توسيع وتطوير باقة المنتجات والتطبيقات صديقة البيئة، والعمل مع منظومة متنامية من الشركاء العالميين الرائدين في مختلف المجالات المتصلة بموضوع الاستدامة.

 

 

كان العام 2021م حافلاً بجهود الاستدامة في (سابك)، فقد شهد كذلك منح الشركة الأولوية لـ 90 مشروعًا من المشاريع التي تمتلك إمكانات تحسين استخدام الموارد الطبيعية وتلبي أهداف خفض انبعاثات الكربون؛ ومنها المشروع التحسيني في (تيسايد) لإنتاج البتروكيماويات، الذي يقلل انبعاثات الكربون في المرحلة الأولى بنسبة تصل إلى 60٪. وتعتزم (سابك) في مرحلة تالية تطوير حلول تقنية لتحويل وحدة التكسير الكيميائي في هذا الموقع لاستخدام الهيدروجين الأزرق مصدرًا للوقود في المنشأة.

 

وبينما تأخذ هذه التطورات رسم واقع جديد لصناعةٍ تعنى بالاستدامة، خطت (سابك) خطوة مهمة في سعيها لتحقيق هدفها المتمثل في الحياد الكربوني، حين شاركت مع شركتيّ “باسف”، و”ليندي” الرائدتين؛ من أجل تطوير واعتماد تقنية التشغيل الكهربائي لوحدة التكسير البخاري، من خلال إقامة مشروع مؤهل لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 90٪ فأكثر.

 

هذه المشاريع الصناعية بتنسيق الجهود مع الشركات العالمية، واكبها تواصل مستمر قامت به (سابك) مع المبادرات والمؤسسات وصناع القرار المسؤولين عن تشريع أنظمة الاستدامة، حيث عقدت الشركة اتفاقًا مع (المنتدى الاقتصادي العالمي) وبعض الشركاء في المجال؛ لإضفاء الطابع الرسمي على (مبادرة التقنيات منخفضة الانبعاثات الكربونية)، لتصبح المبادرة كيانًا قائمًا بذاته بحلول عام 2023م، من أجل تعزيز الاستثمار المشترك في تطوير المبادرة وتوسيعها عبر تحويل نماذج التشغيل التقليدية المستخدمة في مختلف جوانب الصناعة إلى نماذج لمنهجيات إنتاجية تُحقق انبعاثات كربونية صفرية.

 

علاوة على ذلك دشَّنت (سابك) مشروعًا جديدًا لدعم جهود التحول إلى الكهرباء بما في ذلك الحلول المتعلقة بتحسين أداء السيارات الكهربائية سعياً إلى هواء نظيف للبيئة، حيث لبَّت الشركة متطلبات توجهات صناعات السيارات نحو الاستدامة، وذلك من خلال تقديم باكورة إنتاجها من ​​درجات الراتنجات ذات المحتوى المعاد تدويره ميكانيكيًا؛ للاستخدام في صناعة أجزاء السيارات الداخلية والخارجية.

 

فيما واصلت الشركة عبر مبادرتها (تروسيركلTM) – تطوير وابتكار حلول عملية لمعالجة النفايات البلاستيكية تشمل ثلاث فئات: المنتجات المعاد تدويرها ميكانيكيًا، والمنتجات الدائرية المعتمدة، والمنتجات المتجددة المعتمدة، بالإضافة إلى تحسين باقة من حلول التعبئة والتغليف متنامية الاستخدام عالمياً ، والعمل على خلق فرص التعاون خلال مراحل سلسلة القيمة المرتبطة بعمليات إعادة التدوير.

 

وفي خطٍ موازٍ تبنت الشركة عددًا من المشاريع القائمة بالكامل على أسس الاستدامة والطاقة النظيفة، منها اتفاقية شراء الطاقة التي وقعتها لبناء منشأة للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط؛ من شأنها توفير الطاقة المتجددة لمصنع البولي كربونيت في (قرطاجنة) بإسبانيا المتوقع بدء تشغيله بحلول عام 2024م، وسيكون أول مصنع بحجمه يتم تشغيله بنسبة 100٪ بالطاقة المتجددة.

 

ولا ينفصل ذلك عن عمل (سابك) عن كثب مع شركائها في مجال الاقتصاد الدائري للوصول إلى 15 ألف طن من المواد الخام الدائرية والمتجددة المعتمدة، والذي يعد تقدماً مهماً في مسيرة الشركة نحو تبني الاقتصاد الدائري، وفي الوقت نفسه يمضي العمل قُدُمًا في بناء أول وحدة تجريبية للإنتاج التجاري في (خيلين)، لمزيد من التوسع في المنتجات الصديقة للبيئة وحلول الاستدامة.

 

ولعل من المهم الإشارة هنا إلى ارتباط توجهات (سابك) بالدور القيادي الذي تقوم به المملكة في مجال الاستدامة على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما في ظل المستهدفات البيئية التي تضمنها رؤية 2030، بما في ذلك إطلاق مشاريع ضخمة تتبنى النهج المستدام، والتأسيس لمبادرات كبرى في مجالات التشجير والطاقة المتجددة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت (سابك) من الشركاء الاستراتيجيين لـ(المركز السعودي لكفاءة الطاقة) الهادف لتعزيز الاستفادة من الموارد وترشيد استهلاكها، و (مبادرة السعودية الخضراء) الساعية إلى تقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

 

وفي حين تدرس (سابك) بالتعاون مع شركة (مرافق) والهيئة الملكية في ينبع إنشاء محطة شمسية في ينبع بقدرة 400 ميغاوات، تعمل الشركة كذلك على أن يتم استخدام الطاقة المتجددة، في توفير حوالي نصف استهلاك الكهرباء بمواقعها في مدينة الجبيل الصناعية.

 

لقد ظلت (سابك) تؤمن منذ تأسيسها قبل أكثر من 4 عقود ونصف، بأن الريادة في المجالين الصناعي والتقني  لا تنفصل عن الريادة في مجال الاستدامة، ورغم أن النجاح في تأسيس قطاعات إنتاجية مستدامة لها قيمتها الاقتصادية ومعاييرها البيئية وتأثيرها المحلي والدولي، يعد إنجازاً في حد ذاته، إلا أن الطريق إليه كان زاخراً بالإنجازات التي جاءت على هيئة جوائز لها قواعدها المهنية العالية في الاختيار، لتدل على فاعلية النهج الاستراتيجي الذي اعتمدته الشركة في الاستدامة.

 

 

 

خلال العام الماضي فقط، حققت (سابك) جائزة أفضل شركة عالمية لعام 2021م في ممارسات الاقتصاد الدائري لإعادة تدوير البلاستيك المستعمل وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد، بناء على اختيار شركة (فروست آند سوليفان) العالمية للاستشارات، كما تأهلت إلى القائمة النهائية للمرشحين لنيل جوائز الاستدامة الأوروبية لعمليات التغليف ضمن فئة (كفاية الموارد) فيما كرمها المجلس الأوروبي للصناعات الكيماوية ضمن (جوائز الرعاية المسؤولة® الأوروبيةلعام 2021م)، عن حلول (تروسيكلTM)، وأحرزت جائزة المنتجات المستدامة من شركة (ريثينك) لعام 2021م ، وحصدت جائزة التفاحة الذهبية تقديرًا من المؤسسة الصينية لإعادة تدوير البلاستيك، إلى جانب جائزة الاستدامة من مجلة (كيميكال ويك) التي تصدرها شركة (آي إتش إس) عن أفضل مبادرة لإعادة التدوير والاقتصاد.

 

لم تنفصل الاستدامة يوماً عن صميم فكرة (سابك) منذ أن ولدت مع لحظة تأسيس الشركة، وحتى استمرت معها كرحلة ممتدة بامتداد عمرها، وتواصلت كنجاح مقترن بنمو أعمالها حول العالم، وعلى مدى أكثر من 46 عاماً، استطاعت الشركة السعودية التي تصنف اليوم كثاني أكبر شركة كيماويات في العالم من حيث القيمة السوقية، أن تلتزم بنهج مسؤول لا يكتفي بتطبيق المعايير الأساسية للاستدامة بل يسعى في تطويرها وابتكار وسائلها وتنويع فرصها بالتعاون مع جميع الأطراف في القطاع الصناعي، من أجل التحول نحو واقع جديد بممارسات أكثر استدامة، وصولاً إلى استخدامات متجددة للموارد الطبيعية المختلفة، في بيئة سليمة تمثل الجسد السليم لعقل يتطور في كل المجالات.

 

 

 

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي