((سنقف تحت المطر لن نحمل مظله بعد اليوم ))

((سنقف تحت المطر لن نحمل مظله بعد اليوم ))

  • الجمعة 03 أبريل 2024
  • 07:54 AM

 

السعودية الشرقية الإحساء 
الملتقى / شيخه الدريبي

 

 للمطر رونق خاص نراه في قطراته العذبة ونستشعره برائحته الفوّاحة التي تشعرنا بالأمل وتخبرنا بأنّ الخير أتٍ، فتجدنا ننتظره بفارغ الصبر لينشر على وجه الأرض تفاؤل من نوع خاصّ. فلكل لحظة جميلة رائحة، والمطر هو عطر الشتاء الذي لا يُضاهى. في كل قطرة لامعة من قطرات المطر، تسكن حكاية يكتمها قلب إنسان وتناشد بها روحه السماء. بكل حنين العالم يصدر كرائحة شهيّة عندما تعانق أولى حبّات المطر الأرض. أتساءل هل تشبه تلك القطرات كلماتك الرقيقة، وهل الرياح ستحمل إلى حياتك الخضراء البسيطة أشواقي؟ وهل يُرتجى مطرٌ بغير سحاب؟ وهل يشعر الوحيد بالدفء بلا أحباب؟ يتساقط المطرُ فيغسل أحقاد الصدور وسواد القلوب. انتظر الشتاء وطقوس المطر ليصنع البخار الصاعد من فنجان قهوتي الدافئ كراسة ضبابية على زجاج نافذتي، وتخط أناملي إليك أكثر الرسائل السرّية دفئاً. عندما يسقط المطر تُزال الأصباغ عن الوجوه، فيعود كلّ شيء لأصله دون خداع أو تصنُّع. آخر المطر كأوّل البكاء، يخنقنا بالصمت والكآبة. المدينة ليست سيّئة إلى هذا الحدّ؛ لأنّها عندما تغتسل بالمطر تصير شهيّة..

من منا لا يحبّ رائحة المطر ونسيمه البارد يراقص أغصان الشجر، وموج هادىء انساب من بين يدي البحر. فمنى النفس بوطن جميل، يسقط كقُبلة على خدّ طفل في انهمار المطر. لا جدوى من الاحتماء بمظلة الكلمات، فالصمت أمام المطر أجمل. انتظارك يشبه انتظار المطر أيام الصيف الحارّة، حيث الشمس تأبى الرّحيل. لطرقات حبّات المطر على النافذة وقع جميل في النفس، أشبه بسمفونية فريدة تغنّيها الطبيعة. أصدقاؤك الذين يحبّون السير تحت المطر، لا تفرّط فيهم. يتشابه المطر مع دموعنا، فكلاهما صادق ونقيّ، وكلاهما قادم من الأعماق. أحبّ شمس شتاء تأتي على استحياء، ومطر شهيٌّ نزل لتوِّه من السماء. في المطر حكايات لا تُحكى، تعصف داخلنا كلما هبّت ريح الشتاء العاتية فتبعثرنا.نحب رائحة مطر، كم يحمل لنا المطر رائحةالأرض الندية، يحمل لك أرقّ السلام ممن تهواهم وستحمل لك الرياح سنابل الحياة الخضراء لتحيي بها غصون الأمل.وتلبس البلدة بعد المطرثوبا جميلا مع عودة الشتاء وهطول المطر حاملاً تلك الأحلام البريئة ياتي الربيع بأزهاره فتحلو الحياة..

لذا فالمطر مفتاح الحياة، والسعادة ، بدفء العائلة المجتمعة حول المدفأة، فما أجمل أن يبلِّل المطر الأرض فنتنفس رائحة فتُبعث فينا الحياة من جديد. فلنشاهد المطر في صمت ونسرّ دعواتنا، وبأذن الله تُستجاب. حتى بعد رحيلك، ولا تزال عطيته سبحانه وتعالى تنهمر عليّنا كقطرات مطر، مدهشة في جدّتها. فالمطر يبعث الحنين في النفوس، كأنهما توأمان لا يفترقان، فلا حنين بلا مطر ولا مطر بلا حنين. عندما تمطر أرفع كفيك وأطلق دعواتك نحو السماء، ما فيه من نقاء فتهطل مُحققة.ماتتمناه.. إذا رضي الله عن قوم أنزل عليهم المطر في وقته، وإذا سخط على قوم أنزل عليهم المطر في غير وقته فالمطر بهجة الدنيا وجمال الرياحين التي تنمو بعده..

كما إن لمطر أنشودة جميلة  تعزفها السماء على اتّساع المساحات دون أن يفسدها البشر.ونسمع سقوط المطر ولا نسمع هبوط الثلج، نسمع عجيج الآلام الخفيفة ولا نسمع صمت الآلام العميقة. لولا اصطدام الغيوم لما انهمر المطر، والقلوب الطاهرة لا تتجنّب المطر بل تحمل المظلات. وتتمتع برؤيه جمال نزول المطر ويأتي المطر ويغسل كل همومنا يذكرنا بما كان من براءة الصغر، كنا نقفز ونقفز تحت حبات المطر، ونضحك ونجري ونتراقص تحت سماء أشرقت. أنزل يا مطر واغسل جراحنا وآلامنا، أسقط وبدّد الأحزان، وقبل أن يجتاحها الجفافُ والشتاتْ. وعندما يتوقّف المطر ننسى المظلة. أنتظر المطر وأزرع السنابل. وراقب جمال المطر لترتسم عليك الابتسامة وتنسى همومك ولو للحظات بسيطة، وتشعر بالحنين إلى كلّ شي، حتى طفولتك.

إن المطر هو الحياة هو الفرح هو طفلة تركض في ثوبها الورديّ. نظرت إلى السماء التي أشرقت سماؤها رغم سوادها، ومددت يدها كي تطول حبّات المطر، وتشعرت وكأنّها عصفور الذي بنى عشّه وأخيراً سيرتاح على غصنة ونشتاق لسماع صوت المطر وأن تقرع حباته زجاج النافذة وتعم السعادة على أرجاء المكان. ونشمّ في أنفاسه رائحة عطرك الجميلة. المطر يثير فينا حنيناً وشجناً لأيام مضت ولن تعود. يذكرنا بالدفء حين كنا في أحضان أمهاتنا نختبئ، وبها نلتحم ونعود وكأننا ما زلنا أجنة فى الرحم، نحبّ المطر وكلّ حبة من حباته فمفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلّا الله، ولا يعلم ما في غد إلّا الله، ولا يعلم أحد متى يأتي المطر إلّا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلّا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلّا الله لن أحمل مظلّة بعد اليوم بل ، سنقف تحت المطر ..

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي